يبدو من خلال ما سمي بالخطة الإقتصادية، أو مجموعة الأفكار، كما يحلو للحكومة تسميتها، بعدما تبّين لها حجم المواجهة التي تنتظرها، أن حكومة حسّان دياب، المستقوية بدعم حزب الله غير المحدود لها، ماضية في سياسة المكابرة، وإعتماد سياسة تصوير نفسها بأنها الضحية، وأنها في كل ما تتخذه من خطوات، وهي لم تتخذ بعد أي خطوة عليها القدر والقيمة، سوى ما يتعلق بمواجهة الـكورونا، وهذا أقل ما يجب أن تفعله، على حق فيما الآخرون، بعضهم من داخل التركيبة الحكومية والبعض الآخر من خارجها، على خطأ، وهم يتحينون الفرص للإنقضاض عليها وتحميلها مسؤولية أزمة تؤكد أنها ليست من إنتاجها، بل هي ورثتها، وهي نتيجة سلسلة أخطاء مالية وإقتصادية متراكمة ومتوارثة.
 

ويشارك العهد هذه الحكومة في رفضه تحمّل مسؤولية التدهور وما آلت إليه الأمور دفعة واحدة، من دون سابق إنذار، وكأن القيمين عليه لم يكونوا يعرفون مآل الأمور، وأن تراكم الأخطاء، وإن لم يكونوا في الأساس مشاركين فيها مباشرة، سيوصل حتمًا إلى النتيجة التي وصلت إليها الأمور، وكان يُفترض بالجميع تدارك الوضع قبل الوقوع في المحظور، أو على الأقل عدم تحمّل المسؤولية في هكذا ظروف غير مؤاتية، ولا تصبّ في مشروع الإصلاح والتغيير، ولا في مصلحة لبنان القوي، إذ تبيّن من خلال التجربة والممارسة أن الإصلاح لم يكن سوى شعار لم تسعف الظروف على تحقيقه، وأن الوقائع أثبتت أن شعارلبنان القوي غير مترجم عمليًا، إذ لا أحد قويّ بما يكفي لوحده، وأن هذا الشعار لن يتحقّق إلاّ إذا كان جميع أبنائه، ومن دون إستثناء، مقررين بالمفرق والجملة عدم إضعافه بشتى الطرق والوسائل، حتى ولو كانت ظاهريًا تدّعي تقويته.

 

وكما فشلت الحكومة، ومن ورائها العهد، في الإفادة من التجربة الرائدة التي خاضها مجلس القضاء الأعلى في وضع التشكيلات القضائية وفق اسس علمية بعيدًا عن التدخلات السياسية، لم تنجح توازيًا في التعيينات المالية، التي أظهرت جشع القوى السياسية في وضع يدها على الملف المالي، من خلال محاصصة مكشوفة، قيل أن رئيس الحكومة رفضها لأنها لم تأخذ في الإعتبار المعايير العلمية فقط، وكأن البعض أراد أن يقنعنا بأن الرئيس حسّان دياب قادر لوحده على الوقوف في وجه الهجمة السياسية التي تشنّ ضده.

 

وهذا الفشل المستتبع إنسحب أيضًا على "الخطة الإنقاذية"، عفوًا مسودة أفكار، وكأن الذين وضعوا هذه الخطة "مستحيين" بها، وبالتالي لم يبادروا إلى الدفاع عنها وإقناع الناس بصوابيتها، إلاّ إذا لم يكن هؤلاء مقتنعين في الأساس بكل هذه النظريات، بل شنّوا هجومًا مضادًا ضد من إنتقد هذه "الأفكار"، وهو هجوم إنحصر بالشق السياسي، ولم يكن هجومًا بالأرقام والحجج الدامغة، الأمر الذي أظهر الحكومة في موقف مستضعف، خصوصًا أن لا أحد من واضعي هذه "الأفكار" تبرّع للدفاع عنها وتقديمها على أنها الحل شبه الوحيد للخروج من الأزمة، أو على الأقلّ وضعها على سكة هذا الحلّ، الذي تعتريه هفوات كثيرة، بإعتراف هؤلاء، ولو بصورة غير مباشرة.

أندريه قصاص