من لا يستطيع أن يصفق لخصمه السياسي فإنه حتما لن يستطيع أن يرى عيوب أو إخفاقات حليفه أو حزبه السياسي وهنا تكمن الطامة الكبرى.
 

للأسف فقد أوصلتنا هذه الطبقة السياسية المتحكمة برقابنا منذ عقود إلى المطرح الذي بتنا فيه نندهش ونؤخذ إذا ما قام وزير ما أو موظف ما بواجباته الطبيعية، كما وخلقت عندنا شعورا بأن المستوزرون عن طريق الاحزاب وزعامات الطوائف إنما وضعوا في مواضعهم لخدمة أربابهم وأحزابهم فقط.

 

وأكثر من ذلك فقد أصبحنا نعتبر بأن الوزير "الادمي" وبمجرد أنه غير متورط بملفات فساد ولم يكن شريكا بصفقة من هنا أو سرقة من هناك أو أن أدائه غير ملوث بالمحسوبية والزبائنية، على أنه وزير باب أول يستحق الثناء والاحترام (وزرا القوات مثلا) هذا بغض النظر عن إنتاجيتهم أو نجاحهم في وزاراتهم فيكفي أنهم أوادم حتى يعتبروا "لقطة" . 

 

وبالعودة إلى وزير الصحة الحالي حمد حسن، والذي انقسم اللبنانيون بالامس على أدائه وجهوده وما يبذله من طاقة مميزة في زمن الوباء وجائحة الكورونا، فأصرّ كثيرون من خصوم حزب الوزير على أن لا يروا تلك الجهود ولا نشاط هذا الوزير، متمترسين خلف الخلافات السياسية ومعارضة حزب الله حتى يبخسوا الوزير حقه (واجبه)، في لحظة يعتبر أن نسيان الخلافات السياسية مهما عظمت يجب أن توضع جانبا، وفي لحظة يعتبر فيها التكاتف والتعاضض لمواجهة العدو المشترك أمر بديهي عقلي يجب أن لا يكون محل نقاش حتى.


 
وفي هذا الإطار، فأنا أتفهم جيدا الاندفاعة العارمة بالخصوص عند جمهور الحزب بإبداء كل أشكال الإعجاب والمديح لهذا الوزير، فأنا أعتقد بأن الأمر لا يتعلق بمجرد مكسب سياسي أو تسجيل نقاط حزبية، وما نشهده عبر التواصل الاجتماعي من تصرفات فردية اتجاه هذا الوزير النشيط ليس بالضرورة أن يكون بتوجيهات تنظيمية كما حاول أن يوحي الخصوم، بالخصوص إذا ما عرفنا بأن صور الفوتوشوب التي انتشرت للوزير والتي أضرت به أكثر مما خدمته لم تكن صادرة عن جهات حزبية بهدف الدعاية بل عن مصور مستقل (فادي مرق) الغير محسوب على الحزب اصلا، وجاءت بمبادرة فردية منه وبعيدة حتى عن الحرفية.

 

إقرأ أيضًا: حكومة دياب تفضح اصحابها، وتعوّم الحريرية


 


أما مرد هذه الاندفاعة عند جمهور الحزب قبل غيره، فأتصور أنها تتضمن رسالة غير مباشرة لقيادة الحزب نفسه، والقول أن هذا الجمهور متعطش جدا لرؤية وزير من حزب الله يقوم بعمله الوزاري كمسؤول لبناني حقيقي، ويتصرف كوزير معني بوزارته ومسؤول عنها، فهذا الجمهور المؤيد قد سئم من أسماء وزرائه الثوابت على مر التاريخ من دون، اي جدوى تذكر لوجودهم ، وأنه آن للحزب استبدالهم بوزراء حقيقيون وليس مجرد "نعاج" كما وصفهم شربل نحاس بتسريبته الشهيرة، 

 


وكأن هذا الجمهور يقول للسيد ومعه الاستاذ وبلسان معظم جماهير الأحزاب، أن في المجتمعات الحزبية وحتى الطوائفية قد يتواجد طاقات فاعلة وأشخاص يمكن أن يعطوا وأن ينجحوا غير تلك الأسماء والشخصيات التي تصر الأحزاب على تسميتها وعلى مر العصور والأزمان، فجمهور حزب الله مثلا الذي يكاد لا يعرف وزراء عنده إلا محمد فنيش وحسين الحج حسن الذين لم يخلقا أي بصمة إيجابية بأدائهم كل تلك الفترات، يأتي الوزير حسن هذه المرة ليتحول كراية يحملها هذا الجمهور ليقول لقيادته بأن تداول المراكز والمسؤوليات هي الطريق الأمثل لاكتشاف الطاقات، وهذا الامر يجب أن ينسحب على تسمية النواب أيضا وحتى على مواقع القرار داخل التنظيم نفسه.

 


 
وبناءا على ما تقدم، فلا ضير هنا من التصفيق للوزير حمد حسن، أولا بسبب أداءه لواجباته، ثانيا حتى نخطو باتجاه نبذ الخلافات في هذه المرحلة الحساسة، لأنه من لا يستطيع أن يصفق لخصمه السياسي فإنه حتما لن يستطيع أن يرى عيوب أو إخفاقات حليفه أو حزبه السياسي وهنا تكمن الطامة الكبرى، وثالثا وأخيرا، عل خطوة تشجيع شخصيات ووجوه جديدة (فرضتها المتغيرات والثورة) يساهم بدفش الأحزاب لتحسين أدائها والعمل على اختيار أسماء وشخصيات من داخلها وعدم التسمر على أسماء لم تستجلب إلا الفشل تلو الفشل لأحزابها وللبلد من خلفها وتكون هذه كخطوة انتقالية نحو التغير المنشود .