الاختبار الخامس كان حاسماً. شحنة الفيول التي وصلت إلى لبنان في ١٦ آذار الماضي لم تكن مطابقة للمواصفات. لذلك تقرر إعادتها إلى «سوناطراك»، مقابل البدء بتفريغ شحنة جديدة ستلبّي حاجة المعامل إلى الفيول، بعدما اضطرت إلى إطفاء محركاتها. تبقى المسؤوليات. التحقيق، إن كان شفّافاً، يُفترض أن يبيّن «المتورطين إن كانوا في الجزائر أو في بيروت أو ما بينهما.

 

على جبهتين، تحرّك القضاء للتحقيق في تفاصيل شحنة الفيول المضروب. النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون أعطت الإشارة إلى مفرزة جونية القضائية للمباشرة في التحقيقات، والمدعي العام المالي علي ابراهيم استمع إلى كل من المديرة العامة للنفط في وزارة الطاقة أورور فغالي ورئيس لجنة إدارة منشآت النفط سركيس حليس. لكن أمس، طالب وزير الطاقة ريمون غجر المدعي العام التمييزي غسان عويدات بتحديد وتعيين المرجع القضائي الصالح للنظر بهذا الموضوع، منعاً لازدواجية الملاحقة والتحقيق في موضوع واحد متلازم وفق ما هو جارٍ حالياً.

 

على خط مواز، عيّن غجر لجنة للتحقيق والتدقيق الإداري الداخلي بمواصفات شحنة الفيول التي وصلت إلى لبنان في 16 آذار وأفرغت حمولتها، في 25 منه، في الجية والزوق، على أن تعمد اللجنة إلى تزويد القضاء بنتائج التحقيقات فور انتهائها.


على الأرض، اتُّخذ القرار بإعادة الشحنة غير المطابقة إلى «سوناطراك»، التي يفترض أن تبدأ قريباً بتفريغ الخزانين اللذين حُصر الفيول المضروب فيهما. يأتي هذا كإجراء أولي يسمح بإعادة استعمال الخزانات، بانتظار صدور نتائج التحقيقات التي تجرى في لبنان وفي الجزائر، والتي يفترض أن تبيّن مكامن الخلل أو الغش. وعلمت «الأخبار» أن «سوناطراك» كلّفت شركتين للتحقيق بما جرى.
بالنتيجة، صار الهدف كشف حقيقة وصول الشحنة التي تحتوي على 38 ألف طن من الفيول المغشوش إلى لبنان، بعدما أيقن الجميع، بما فيهم «سوناطراك» عدم مطابقتها للمواصفات، وأن النتائج التي توصلت إليها شركة Bureau Veritas (مكتب دبي)، المسؤولة عن مراقبة الجودة والمتعاقدة مع شركة «كارادينيز» (صاحبة البواخر) وشركة Middle East Power المشغّلة لمعملَي الجية والزوق، صحيحة. تلك النتائج جاءت لتؤكد أن الفيول غير صالح للاستعمال في المعامل، مخالفة بذلك النتائج التي توصلت إليها الشركة نفسها (فرع مالطا) عند التحميل من مرفأ مالطا، والتي أيدتها الفحوصات التي أجرتها شركة yello tech المعينة من قبل وزارة الطاقة وشركة pst المعينة من قبل «سوناطراك» في لبنان.


الخطوة الأولى التي لجأت إليها مؤسسة كهرباء لبنان كانت مراسلة مصرف لبنان لطلب تجميد الاعتماد المخصص للشحنة. وبالتوازي، راسلت وزارة الطاقة، متحفّظة على كل التبعات الإدارية والمالية الناتجة من إرسال شحنة غير مطابقة، مع إعلانها عدم تحمّلها أي تكاليف تترتب عليها.
مع ذلك، ظل الأمر عالقاً. اختباران كانت نتيجتهما إيجابية، واختباران نتيجتهما سلبية. لحسم الأمر، طلبت «كهرباء لبنان» من «سوناطراك» إجراء فحوصات جديدة. وقد عادت الأخيرة، بحسب مصادر المؤسسة إلى تكليف شركة pst بإجراء الفحص. وصدرت النتيجة يوم الاثنين الماضي وأبلغها المدير العام لكهرباء لبنان كمال حايك إلى كل المعنيين: الشحنة غير مطابقة للمواصفات.

 


بناءً عليه، اتخذ القرار بتكفّل «سوناطراك» باسترداد الشحنة، بالتوازي مع البدء بتفريغ شحنة ثانية كانت قد وصلت إلى لبنان في 30 آذار، وتبيّن بنتيجة الفحص الذي أجرته وزارة الطاقة أنها مطابقة للمواصفات. أمس، بدأ تفريغ تلك الشحنة، بموافقة الشركة الجزائرية، بالرغم من أن الاعتماد لم يفتح بعد. كذلك، فإن عملية التفريغ تتم حالياً قبل إنجاز كل الاختبارات المطلوبة. كما تبيّن في التجربة السابقة، فإن الاختبار «الرسمي» الذي تجريه وزارة الطاقة و«سوناطراك» غير موثوق، أقله تقنياً. حتى إدارة المعامل والبواخر لا تثق به، ولذلك تجري اختباراتها بنفسها، معتمدة على تقنية أخرى في الحصول على العينة. بدلاً من الحصول على العينة من الشحنة الموجودة في البحر، تلجأ إلى تقنية drip sampling (أخذ قطرات من الفيول أثناء التفريغ وبشكل متواصل) بما يسمح بالحصول على عيّنة معبّرة عن كل الشحنة. هذه المرة، ونظراً إلى الحاجة إلى إعادة تفعيل المعامل، التي انخفض إنتاجها من جراء شح الفيول، طلبت كهرباء لبنان من MEP أن تحصل على عينة من الشحنة قبل تفريغها (ظهر أنها مطابقة للمواصفات)، على أن تعتمد الشركة التركية الطريقة المعتادة. بذلك، أرادت كهرباء لبنان أن تكسب الوقت حتى إذا صدرت النتيجة الثانية، تكون الشحنة قد صارت في الخزانات، بدلاً من انتظار نتيجة الاختبار من قبل الشركتين (الاختبار نفسه وشركة التقييم نفسها).
على الهامش، فإن تلك الأزمة أدت إلى التواصل الأول من نوعه بين الشركتين، اللتين لم يسبق أن تبادل مسؤولوهما حتى أطراف الحديث. لكن هذه المرة، شاركت الشركة اللبنانية النتيجة مع الشركة التركية، والأخيرة ستطلعها على نتيجة اختبارها فور إنجازه، تمهيداً لبدء الإنتاج لدى الطرفين.

 

انتهت القضية إجرائياً. لكن المسؤوليات لم تتحدد بعد. ثمة مذنب أو أكثر في هذه العملية. يبقى احتمال التغيير في التركيبة الكيميائية للمنتج وارداً (سبق لممثل الشركة الجزائرية أن لمّح إلى أن الاختلاف في مواصفات المنتج طرأ خلال فترة التوقف في البحر أو خلال عملية التفريغ)، إلا أنه احتمال ضئيل بحسب خبير نفطي. أضف إلى ذلك إنه إن صح ذلك، فهذا يعني أن الفيول قد أضيفت إليه مواد كيميائية أو أوساخ كيميائية أدت إلى تفاعل الفيول معها، وهنا يصبح السؤال: لماذا أضيفت هذه المواد؟ الاحتمال الثاني هو أن الشحنة لم تكن مطابقة عند التحميل. وهذا يفتح الباب واسعاً أمام مجموعة من المتورطين في «سوناطراك» وفي وزارة الطاقة، إضافة إلى الشركات التي أجرت الفحوصات.
واحدة من المشكلات التي ينبغي على الوزارة حسمها، قبل انتهاء التحقيق، هي مشكلة المصادر المتعددة للنفط. القيّمون على المعامل يشتكون من ذلك مراراً، معتبرين أن ملء الشحنة الواحدة من مصادر متعددة يساهم في خفض جودة الفيول، قبل الحديث عن مطابقته للمواصفات. المطلوب إذاً هو إلزام «سوناطراك» بأن تملأ كل شحنة من مصدر واحد. والمطلوب بعد انتهاء التحقيق أن يحصل لبنان على تعويض عن الأضرار التي لحقت به من جرّاء توقّف أربعة معامل عن العمل بشكل شبه كامل.