تقول جهات سياسية مُطّلعة، إنّ «ما بعد كورونا... الآتي أعظم». وفي حين يعاني لبنان من شحٍ في الدولار منذ ما قبل «كورونا»، ومن أزمة مالية - إقتصادية - معيشية صعبة، فإنّ مجالات إدخال العملة الخضراء الى البلد ستضيق أكثر، لأنّ غالبية الدول، العظمى منها والصُغرى، ستخرج من «أزمة كورونا» منهكة إقتصادياً. وقد لا يتمكّن لبنان من الحصول على المساعدة الخارجية التي يمنّي النفس بها، للحؤول دون الإنهيار الشامل. لذلك، ترى جهات عدة، أنّ على مجلسي النواب والوزراء اتخاذ تدابير فورية تمكّن من «الصمود» ومواجهة المرحلة المقبلة، التي قد تكون «الأصعب» في تاريخ لبنان.
 

فشلت السلطة الحاكمة المتعاقبة في إدارة الدولة سياسياً ومالياً وإقتصادياً، ولم تحرّك ساكناً أمام معطيات ووقائع كثيرة مَثُلت أمامها في السنوات الأخيرة، وكانت تشكّل إشارات الى أنّ انفجار الأزمة المالية ـ الإقتصادية بات قريباً. فحسب جهات عدة، ومنها قريبة من النظام السوري، بدأت إشارات الإنفجار تتظهّر منذ عام 2011، مع بدء الأزمة السورية، وما نتج منها من توتّر في علاقات لبنان مع دول الخليج «مصدر المساعدات»، فضلاً عن إغلاق المعابر البرية الحيوية مع سوريا، الأمر الذي أثّر سلباً على التصدير والترانزيت من لبنان عبر سوريا، وعلى السياحة براً الى لبنان، عبر سوريا.

 

ومنذ ذلك الحين، بدأت ترتفع نسبة خروج الدولار من لبنان مقابل تراجع نسبة دخوله اليه. أمّا المصادر الرئيسية لدخول هذه العملة الصعبة الى لبنان، فهي: تحويلات المغتربين، الإستثمار الخارجي، الصادرات الصناعية والقطاع السياحي. وتقول جهات نيابية، إنّ التدفقات المالية الخارجية مستمرة في التراجع لأسبابٍ سياسية ومالية وإقتصادية، والقطاع الصناعي يُعاني بسبب عدم توافر الدولار وارتفاع سعر شرائه في السوق الموازية، فضلاً عن غياب الدعم الرسمي وارتفاع كلفة الإنتاج... أمّا القطاع السياحي فمعاناته قديمة ـ جديدة، بدءاً بالوضع السياسي ـ الأمني غير المستقرّ، مروراً بمنافسة الدول المحيطة وغياب السائح الخليجي، ثمّ الأزمة التي تلت 17 تشرين الأوّل، وصولاً الى الإقفال التام في «أزمة كورونا».


 
 

وحسب جهات عدة، إنّ تداعيات جائحة «كورونا» الإقتصادية على كلّ الدول، ستؤدّي الى تراجع في كلّ مصادر دخول الدولار الى لبنان. وفي المقابل، إنّ 80 في المئة من سلّة لبنان الإستهلاكية مُستوردة، فيما المصارف تحجب الدولار عن المستوردين، الأمر الذي سيؤدّي الى استمرار الطلب على الدولار في السوق الموازية، ما ينعكس إرتفاعاً في سعر صرف الدولار وتراجعاً في قيمة الرواتب وإنخفاضاً في القدرة الشرائية. هذا فضلاً عن تداعيات «كورونا» المباشرة على الداخل اللبناني، حيث يستهلك المواطنون مدخراتهم في فترة الحَجر المنزلي، ولن تتمكن شركات ومؤسسات عدة من العمل مجدداً، وسيخسر كثيرون وظائفهم، إضافةً الى ما تتكبّده الدولة وجهات مدنية عدة من أموال لمواجهة هذه الأزمة.

 

يقول وزير سابق، إنّ لبنان يتّجه، مؤسسات ومواطنين، الى حالة تعثر، نتيجة تراجع الوضع الإقتصادي والنقدي بعد أزمة «كورونا»، والى أزمة إقتصادية قد تكون أكثر حدّة من الأزمة الراهنة، ومن أيّ أزمة إقتصادية مرّ فيها لبنان. إذ إنّ كلّ القطاعات، ومن ضمنها القطاع المصرفي، تعاني من أزمة سيولة.


 
 

وفي حين أنّ الدولة لا تملك قدرات كبيرة لمواجهة «أزمة كورونا»، مثل بقية الدول، تؤكّد جهات عدة أنّ على الحكومة ومجلس النواب اتخاذ تدابير تساعد المواطنين في تخطّي المرحلة الكارثية والأزمة الحادّة التي سيشهدها لبنان، كالآتي:

 

- إصدار قوانين خاصة لتعليق المِهل العقدية والقانونية والقضائية وتمديدها، مثل تلك التي أُقرّت في عامي 1977 و1983 وبعد «حرب تموز» 2006، وتشمل تعليق تسديد ضرائب ورسوم وفواتير وقروض.

- خفض الفوائد على القروض المصرفية، خصوصاً في ظلّ الخفض الكبير في الفوائد على الإيداعات.

- منح قروض ميسّرة وبفوائد متدنية للمؤسسات والأفراد، ليتمكّنوا من الوقوف مجدداً، ولإنعاش الحالة الإقتصادية.

- إصدار تشريعات محفّزة للنمو، من خلال إقرار إعفاءات معينة للقطاعات المنتجة.

 

وترى الجهات نفسها، «أنّه إذا أُقرّت سلة إصلاحات موازية لهذه التدابير، تضبط كلفة الفساد الهائلة وتوقف هدر المال العام، يُمكن النهوض مجدداً خلال فترة متوسطة، وإلّا هناك خطر على إنزلاق لبنان الى حالة من الفوضى، لأنّ الأزمة ستتحوّل أزمةً أمنية، حيث سيدفع الجوع والفقر المدقع الناس الى الشارع والى استخدام وسائل غير سلمية، والى تعاظم السرقات والجريمة».


 
 

وانطلاقاً من التخوّف من عدم تمكّن لبنان من الحصول على مساعدات خارجية، أتى موقف رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، السبت الماضي، لجهة التأكيد أنّ «الوقت حان لأن نبدأ بالتفاوض الجدّي مع صندوق النقد الدولي على برنامج تمويل. وإذا كانت الشروط مناسبة، نقرّ هذا التمويل، وإذا لم تناسبنا، نُخرج الموضوع من التداول». وتقول مصادر «التيار»، إنّ «التطورات في العالم سريعة جداً، وعلى الحكومة الإستعجال ووقف الدلع، فالجهات المُقرضة لا تنتظرنا».

 

ويتماهى كلام باسيل مع موقف الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، الذي أكّده في 13 آذار الماضي. وتؤكّد مصادر قريبة من «حزب الله»، أنّ «الحزب ما زال على موقفه، وهو أنّه مع أيّ خطة أو مساعدة للبنان، شرط أن لا تُخضعه لوصاية أيّ جهة»، لافتةً الى أنّ «الحزب» يُشدّد على «ضرورة أن تُقرّ الحكومة الخطة الإنقاذية سريعاً، لكي نتمكّن من مواجهة مرحلة «أزمة كورونا وما بعد كورونا». وكان رئيس الحكومة حسّان دياب أكّد أمس، أمام مجموعة الدعم الدولي للبنان، أنّ خطة حكومته ستتوافر قريباً، حيث توضع عليها الآن اللمسات الأخيرة.


 
 

وترى مصادر معارضة، إنّ «الحلول الناجعة المتوافرة موجعة للمنظومة السياسية، ولا يُمكن مواجهة المرحلة المقبلة، إلّا بجباية عائدات الدولة، ووقف الهدر والفساد، ضبط المعابر الشرعية وغير الشرعية، وضع يد الدولة على الجمارك والمرافق البحرية والجوية، إعادة النظر في هيكلة الإدارة، وإلغاء كلّ الوظائف الوهمية التي استُغلّت للرشوة».