الشعب الإيراني مُكافحٌ ومُنتجٌ وجادّ، ليس مُتهالكاً ولا خنوعاً، ويستطيع أن يبني علاقاتٍ متوازنة مع جيرانه العرب، وعنوانها الإحترام والتقدير المُتبادلين، وحفظ المصالح المشتركة، وعليه لا بُدّ للمُتطرّفين من تخفيف غلوائهم، فقد أساؤا للأمّتين العربية والإيرانية بما فيه الكفاية.
 
كُنتُ قد كتبتُ مقالةً مُختصرة في الرابع من شهر نيسان عام ٢٠١٥، أي قبل خمس سنوات من تاريخ اليوم، أبديتُ فيها منتهى التفاؤل بعد إعلان الإتفاق الأميركي الإيراني النووي، الذي بشّر يومها بحقبة سلامٍ جديدة في منطقة الشرق الأوسط، ومدفوعاً بطاقة حماسية قلتُ بالحرف الواحد:
 
من حقّنا أن نتفائل بهكذ اتّفاق، فقد صمّت آذاننا طبول الحرب وهدير المدافع، وأزيزُ الطائرات، وآذت عيوننا صوَرُ الضحايا والمصابين الجرحى، وقوافل الأحياء المُشرّدين والمُتسوّلين التي تملأ الشوارع والساحات، وتعجُّ بها مخيمات اللاجئين، وأخبار الذين يلتهمهم البحر في قوارب الموت على شواطئ أوروبا، وملأت صدورنا غيضاً وقرفاً لِحى الإسلامويّين الأصوليّين الذين استباحوا الوطن العربي بمُعظمه، ودنّسوا شعوباً وجماعاتٍ وقبائل، وارتكبوا المجازر باسم الدين، ولا أقول بأنّ الدين منهم براء، فهم يُشبهونهُ وهو يُشبههم، فقد ارتكبوا فضائعهم وهم على يقينٍ بأنّهم يُعلون كلمة الله، ويُطبّقون شريعته على الأرض.
 
بالعودة لصُلب الموضوع، حبّذا لو دخلت إيران إلى حظيرة المجتمع الدولي، فتُوقف توسُّعها الإقليمي غير الشرعي، وتكبح أحلامها الجامحة، وتُقلع عن مذهبيّتها المقيتة في عيون الأغلبية، فُرساً  وعرباً، فالأمّة الإيرانية عريقةٌ في تاريخها وحضارتها، والشعب الإيراني مُكافحٌ ومُنتجٌ وجادّ، ليس مُتهالكاً ولا خنوعاً، ويستطيع أن يبني علاقاتٍ متوازنة مع جيرانه العرب، وعنوانها الإحترام والتقدير المُتبادلين، وحفظ المصالح المشتركة، وعليه لا بُدّ للمُتطرّفين من تخفيف غلوائهم، فقد أساؤا للأمّتين العربية والإيرانية بما فيه الكفاية، وحبّذا لو يرتدعوا ويردعوا من سوّدوهم على رقاب العباد لحوالي أربعة عقودٍ من الزمن، باسم دعاوى مذهبية عفا عليها الزمن، وهي في زمانها لم تكن صالحة أو مُجدية.
 
 
أمّا مصيبة العرب الكبرى فتظلّ الدولة الصهيونية الغاصبة لأرض فلسطين، وظهيرها الأنظمة الديكتاتورية في العالم العربي والإسلامي، والتي استباحت شعوبها، فهدرت ثرواتها، وحجزت تقدُّمها، وألقت في غياهب السجون والمعتقلات المُثقّفين والأحرار والشرفاء، وملأت الدنيا أكاذيب وتُرُهات، تارةً باسم فلسطين، وطوراً باسم الإسلام، وأخيراً بالنّفخ في قضايا " مُقدّسة" كالمقاومة ومُقارعة " الأمبريالية" الأميركية، فأنزلتها إلى الحضيض، حتى أصبحت مُهانةً على كلّ شفةٍ ولسان.
 
   قال الشاعر:
وكم من أكلةٍ منعت أخاها 
بلذّة ساعةٍ أكلاَتِ دهرِ
وكم من طالبٍ يسعى لشيئٍ
وفيه هلاكُهُ لو كان يدري.