سحب رئيس الحكومة حسان دياب التعيينات المالية من جلسته الاخيرة.
 
اذا كانت التعيينات المالية قد سُحبت، تجنباً لحريق كان يقترب من الحكومة عبر سلسلة استقالات وزارية كانت مُعدّة مسبقاً، فإنّ هذا الملف رُكِن على الرفّ، أقلّه لستة اشهر، على ما يؤكّد لـ«الجمهورية» مرجع سياسي، الذي قال: «انّ ما احاط التعيينات المالية من اختلافات و«منتعات» وشهوات غريبة، خلّف ضحايا في مكان آخر، على صعيد الحكومة وهيبتها التي تشظّت، او على مستوى ملف التعيينات الاخرى في سائر المراكز الشاغرة، والتي بدورها ستبقى في هذا الوضع الشاذ الى ما شاء الله، والفضل في ذلك الى من يصرّ على ان يأكل البيضة وقشرتها».
 
وفي معلومات «الجمهورية» من مصادر موثوقة، انّ التعيينات المالية أُدرجت في خانة الاولوية لإتمامها منذ بداية الشهر الماضي، باعتبار انّها الأكثر الحاحاً في هذه المرحلة، وأُوكل الى وزير المال إعداد لائحة بمن تتوافر فيهم المواصفات المطلوبة. وأعدّ هذه اللائحة بعد مشاورات مع كل الاطراف، علماً انّ الاسراع في اتمام هذه التعيينات كان محل تفاهم في اللقاء الاخير الذي عُقد بين رئيس المجلس النيابي ورئيس الحكومة.
 
وبحسب المعلومات، فإنّ هذه التعيينات، كانت تسير بطريقة سلسة منذ البداية، من دون ان تبرز حيالها أيّ اعتراضات او تحفّظات من اي طرف داخل الحكومة، بل على العكس كان هناك دفع في اتجاه إقرارها سريعاً. غير انّ الاعتراضات عليها بدأت من خارج الحكومة، من الرئيس سعد الحريري، الذي كان مصراً على إعادة تعيين النائب الثالث السابق لحاكم مصرف لبنان محمد بعاصيري، ومن رؤساء الحكومات السابقين، اضافة الى اعتراضات علنية صدرت عن رئيس حزب «القوات اللبنانيّة» الدكتور سمير جعجع وبعض اطراف المعارضة.
 
وتشير المعلومات، انّه على الرغم من هذه الاعتراضات، فإنّ التوجّه لدى الحكومة ظلّ ثابتاً في اتجاه اقرارها، على قاعدة انّ من حق المعارضين ان يُبدوا اعتراضاتهم، وايضاً من حق الحكومة ان تقوم بواجباتها، الاّ انّ هذه التعيينات تعقّدت المرة الاولى مع الإعتراض الأول الذي اطلقه رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، حينما شعر أنّه مستبعد نهائياً من هذه التعيينات وأنّ فريق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون و»التيار الوطني الحر» سيستأثر بها.
 
 
 
وبحسب المعلومات، انّ تلويح الوزير فرنجية بالاستقالة من الحكومة، لقي تفهماً من حلفائه الذين اكّدوا أنّ من حقه ان يُحسب حسابه في هذه التعيينات، باعتبار تيار «المردة» شريكاً اساسياً في الحكومة، وأنّه القوّة المسيحيّة الثانية، التي تشكّل أحد الأعمدة الأساسية التي ترتكز عليها الحكومة، وبالتالي لا يجوز تجاوزه. وجاء موقف الرئيس نبيه بري و»حزب الله» مؤيّداً لموقف فرنجية. واعقب ذلك سلسلة اتصالات بين الثنائي الشيعي، وبين الثنائي ورئيس الحكومة، وكذلك بين «حزب الله» و»التيار الوطني»، أفضت عن تخلّي «التيار» عن «موظف» واحد لفرنجية.
 
وتشير المعلومات، انّ هذا الامر لم يتوقف عند هذا الحد، اذ برزت تحفظات على النائب الثاني لحاكم مصرف لبنان المخصّص للدروز، ودار تجاذب عمّا اذا كان سيُسند لمرشح النائب طلال ارسلان، او رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، ومن دون ان يُحسم الاختيار بشكل نهائي، فيما عادت الامور الى نقطة التوتر الشديد قبل يومين من الموعد المحدد لجلسة مجلس الوزراء الخميس الماضي، حينما رفض فرنجية التسليم بالحصّة الاحادية له، وأصرّ على اثنين، وخصوصاً انّ الحصة المقابلة للتيار الوطني هي 6 من أصل 7، رافضاً بالتالي «المنطق الفوقي الذي يعتمده «التيار الوطني» في هذا المجال».
 
وتلفت المعلومات، انّ الساعات السابقة لانعقاد جلسة الخميس، شهدت استنفاراً سياسياً على خطوط عدة في محاولة لفك هذه العقدة، خصوصاً انّ فرنجية ابلغ حلفاءه بشكل رسمي انّه ثابت على موقفه بالحصول على اثنين من الحصّة المسيحيّة، وانّه يصرّ على حسم هذه الحصة سلفاً، إذ انّه كان يخشى من ان يتعرّض الى كمين في التصويت، وانّ تيار «المردة» بصدد الخروج من الحكومة في حال لم يُؤخذ بمطلبه، وفي حال رُهن حسم هذا الامر، الى التصويت، وبالتالي فإنّ استقالة وزيريه جاهزة.
 
وتشير المعلومات، انّ الثنائي الشيعي، وإن كان لا يحبّذ تلويح فرنجية بالاستقالة، الا انّه تفهَّم مطلبه، والرئيس بري كان واضحاً في تأييده زيادة حصّة فرنجية. وعلى اساس هذا التفهّم، تشير المعلومات، انّه تجدّدت حركة الاتصالات على محاور عدة، عين التينة، بنشعي، السراي الحكومي، «حزب الله» و«التيار الوطني الحر»، الاّ انّها اصطدمت بتصلّب رئيس «التيار» النائب جبران باسيل ورفضه القبول بمطلب فرنجية، فضلاً عن انّ اجابات التيار عكست إصراراً على احترام الأحجام، باعتبارها هي وحدها التي تحدّد حصّة كل طرف.
 
وتقول المعلومات، انّ اتصالات ليل الاربعاء انتهت عند هذا الحد، وبناء على موقف باسيل، ابلغ فرنجية حلفاءه ان وزيريه لن يشاركا في جلسة مجلس الوزراء، وهي خطوة اولى على طريق الخروج من الحكومة، حيث اكّدت المعلومات، انّه لو تمّت التعيينات في تلك الجلسة، فإنّ وزيري تيار «المردة» كانا سيعلنان استقالتهما على الفور.
 
هذه الأجواء، أربكت المثلث الضامن للحكومة، وخصوصاً بعد الشعور الذي تملكّ اضلاعه كافة، بأنّ استقالة فرنجية، وإن كانت بحدّ ذاتها لا تؤثر على الحكومة، الّا انّها تشكّل صدمة عنيفة لها، فضلاً عن ان بعض اضلاع هذا المثلث عبّر عن الخشية من أنّ شبح تطيير الحكومة بدأ يحوم حولها. وبحسب المعلومات، فإنّ هذه الصورة، كانت واضحة في السراي الحكومي، كما في عين التينة، وكذلك في القصر الجمهوري، حيث كانت الهواتف مفتوحة بين القصر والسراي، ومن هنا كان المخرج «المتوافق عليه»، الذي أعلنه رئيس الحكومة حسان دياب في جلسة الخميس، وبناء عليه سَحب التعيينات المالية من جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء، واعداً بنقلة نوعية في هذه التعيينات على اساس الكفاءة والجدارة، وبعيداً من اي محاصصة أو محسوبية.