الحياة طبيعية في السويد! نعم! فعلى الرغم من تفشي فيروس كورونا المستجد في دول القارة العجوز، حيث تحوّلت إيطاليا إلى أكثر المناطق تضرراً حول العالم، ما زالت المدارس في السويد مفتوحة، وما زالت المطاعم والمقاهي والحانات تعمل.

 

في حربها على الفيروس، تميزت السويد عن الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي التي اعتمدت منهجاً يعتمد على المحافظة على استمرار الحياة الاقتصادية في وتيرتها المعتادة، وفق مقولة "مناعة القطيع"، قبل التراجع وتطبيق الحجر المنزلي وتقييد التواصل الاجتماعي. كما تميزت السويد عن الصين وكوبا اللتين أوقفتا الأنشطة الاقتصادية والتواصل البشري، واعتمدتا على الحجر المنزلي الإلزامي.
 
السويد سلكت اتجاهاً مغايراً: فعلى الرغم من تشجيع السلطات للناس على إبطاء وتقليل تحركاتهم، إلا أن الصناعة استمرت تعمل، والمدارس ودور الحضانة مفتوحة؛ كما تعمل المقاهي والمطاعم، والقطارات تسير، ولا توجد دوريات للجيش في المدن السويدية. يبدو أن النخب السويدية قررت أنها إذا سمحت بانهيار الصناعات السويدية بفعل الحجر، فستجد السويد نفسها راجعة إلى حالة بؤسها في القرن التاسع عشر. فللسويد عقليتها المستقلة وغريزتها القوية، في المحافظة التي سمحت لها برفض اليورو والتنقل بين المعسكرات المتحاربة طوال القرن العشرين.
 
في تقرير لها، تقول صحيفة "الغارديان" البريطانية إنّ السكان في ماليمو يمشون بالشوارع دون أقنعة، ويتنزهون في الحدائق وعلى الشاطئ، وملاعب رياضة التزلج وملاعب الأطفال ممتلئة عن آخرها، مشيرةً إلى أنّ المواصلات العامة تنقل الناس إلى كل مكان بالبلاد، وحتى دور السينما لا تزال تعرض الأفلام.
 
أما عن الاحتياطات التي نُصح السويديون بتبنيها فهي منع التجمعات لأكثر من 50 شخصًا (بعد أن كانت 500 يوم الجمعة الماضي)، وتجنب الاتصال الاجتماعي بالأشخاص أكثر من 70 عامًا أو المرضى، ومحاولة العمل من المنزل، والسماح بخدمة المائدة فقط في الحانات والمطاعم، بل حث رئيس الوزراء ستيفان لوفين السويديين على التصرف "كبالغين" وعدم نشر "الذعر أو الشائعات، بحسب "الغارديان". وقد تكون الديموغرافيا أيضا عاملاً مؤثرا في نهج السويد للتعامل مع الأزمة.

 

عامل الثقة
شاهد غالبية المواطنين خطاب رئيس الوزارء وأيدوه، وفقا لاستطلاع رأي أجرته واحدة من كبريات المؤسسات السويدية. وفي الوقت نفسه، هناك مستوى عال من الثقة في الحكومة السويدية، والتي يعتقد الكثيرون أنها تدفع المواطنين إلى الالتزام بالإرشادات طواعية.
قد تكون الديموغرافيا أيضا عاملاً مؤثرا في نهج السويد للتعامل مع الأزمة. على عكس المنازل التي يعيش فيها أجيال متعددة في دول البحر الأبيض المتوسط، فإن أكثر من نصف الأسر السويدية تتكون من شخص واحد، مما يقلل من خطر الإصابة بالفيروس.
وبالإضافة إلى حب السويديين الخروج إلى الهواء الطلق يقول مسؤولون إنهم حريصون على تجنب فرض إجراءات صارمة، والتي من شأنها أن تترك الناس محاصرين في المنزل وذلك للحفاظ على صحة المواطنين البدنية والعقلية. وعلى عكس المنازل التي يعيش فيها أجيال متعددة في دول البحر الأبيض المتوسط، فإن أكثر من نصف الأسر السويدية تتكون من شخص واحد، مما يقلل من خطر الإصابة بالفيروس.
ذعر الأطباء
في المقابل، بدأ المجتمع العلمي والطبي بالسويد يشعر بالذعر، فقد قام أكثر من ألفين من الأطباء والعلماء وأساتذة الجامعات، من بينهم رئيس مؤسسة نوبل البروفيسور كارل هنريك هيلدن، بتوقيع عريضة الأسبوع الماضي يطالبون فيها الحكومة بتدابير أكثر صرامة لاحتواء المرض.
وتقول البروفيسور سيسيليا سوديربرغ الباحثة بعلم المناعة الفيروسي بمعهد كارولينسكا "نحن لا نجري ما يكفي من التحاليل، ولا نقوم بإجراءات التعقب ولا العزل الكافية. إنهم يقودوننا نحو كارثة".
من ناحيته، يدعو أندرس تيغنيل، وهو كبير علماء الأوبئة في السويد، الذي يقود التعامل مع الحكومة للأزمة، إلى استراتيجية للتخفيف: بمعنى السماح للفيروس بالانتشار ببطء دون إرهاق النظام الصحي، ودون اللجوء إلى القيود الصارمة. غير أنه لا يسمي هذا "مناعة القطيع"، وهي عبارة رفض تيغنيل والسلطات استخدامها مطلقًا. وفي تعليقه على ارتفاع عدد الإصابات مؤخراً، يجيب تيغنيل: "نعم. هناك زيادة لكنها ليست مؤلمة حتى الآن. بالطبع، نحن نمر بمرحلة من الوباء سنرى فيها المزيد من الحالات في الأسابيع القليلة القادمة، والمزيد من الأشخاص سيدخلون وحدات العناية المركزة، مثلنا مثل أي بلد آخر، فلم يتمكن أي مكان من إبطاء الانتشار إلى حد كبير".
وفي حين عملت الدول بجوار السويد بالاتحاد الأوربي، وهي الدنمارك وفنلندا والنرويج، على تنفيذ استراتيجية الإغلاق منذ أسابيع، يوضح تيغنيل: "المشكلة بهذه المقاربة هي أنك تنهك النظام. لا تستطيع أن تبقى على هذا الإغلاق لعدة أشهر، إنه أمر مستحيل".
في المقابل، تقول البروفيسور سوديربرغ: "الحكومة ترى أنها لاتستطيع إيقاف التفشي، ولهذا قرروا أن يتركوا الناس يموتون. إنهم لا يريدون السماع للمعلومات العلمية المقدمة إليهم، فهم يثقون ثقة عمياء بوكالة الصحة العامة. لكن ما لديهم من المعلومات ضعيف جدا ويكاد يكون محرجًا"، مضيفةً: "نحن نرى هنا مؤشرات بتضاعف المعدلات بنحو يفوق ما يحدث بإيطاليا. ستشهد ستوكهولم قريبًا نقصًا حادًا في وحدات الرعاية المركزة، ولا يفهمون أنه بحلول ذلك الوقت سيكون قد فات الأوان لعمل أي شيء. كل هذا خطير للغاية".
يُشار إلى أنّ 43 شخصا مصاباً بكورونا توفي خلال الساعات 24 الماضية، في السويد ليصل إجمالي الوفيات إلى 282، كما أعلنت السلطات تسجيل 519 إصابة جديدة، مما يرفع الإصابات إلى 5466.


المصدر: الأخبار - الجزيرة- BBC