من سيدفع ثمن أزمة كورونا دول مثل إيران وأنظمة مثل نظامها يرفض الاعتراف بالفشل أو التعلّم من تجارب الماضي، مهما كان هذا الماضي قريبا… متى تتوقف إيران عن ممارسة الاستكبار الذي طالما كانت تشكو منه؟
 

خلف الكلام الكبير الذي يصدر عن المسؤولين في طهران وعن أدوات “الجمهورية الإسلامية” في المنطقة، وهو كلام عن قرب انهيار أميركا وأوروبا، نشهد هذه الأيّام سياسة إيرانية أكثر عدوانية. هل هذا دليل ضعف أم دليل قوّة؟ الجواب أن الأيّام وحدها ستحدّد ما إذا كان انتشار وباء كورونا سيسمح لإيران بممارسة السياسة نفسها التي مارستها منذ 41 عاما، أم سيجعلها تتخلّى عن هذه السياسة؟ إنّها سياسة لا أفق لها لم تأت سوى بالخراب على إيران والإيرانيين وعلى بلدان مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن. كما كان يمكن أن تقضي على البحرين في مرحلة معيّنة.

ليس وجود وفد إيراني في بغداد من أجل الإشراف على تشكيل حكومة جديدة سوى دليل على أن طهران ترفض الاقتناع بأنّ ليس في استطاعتها ممارسة الدور الذي مارسته في العراق في السنوات الـ17 الماضية، أي منذ سقوط النظام السابق الذي كان على رأسه صدّام حسين. هناك عراق تغيّر في السنوات الأخيرة وسيتغيّر أكثر في الأشهر المقبلة في ضوء عوامل عدّة من بينها هبوط أسعار النفط وانبعاث الروح الوطنية لدى كثيرين، بما في ذلك شيعة العراق الذين لعبوا دورا مهمّا في الدفاع عن بلدهم، خصوصا عن جنوبه، طوال حرب 1980 – 1988 مع إيران.

من الواضح، أن إيران تعتبر أن لديها فرصة للتخلّص من الوجود الأميركي في العراق. هذا وهم تعيشه نظرا إلى جهلها بما يدور في العالم من جهة، ورفضها الاعتراف بأنّ قرار تصفية قاسم سليماني لم يكن قرار الرئيس دونالد ترامب وحده من جهة أخرى. هذا قرار اتخذته المؤسسة العسكرية والأمنية الأميركية التي وجدت أن قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الإيراني يرمز، بين ما يرمز إليه، إلى طبيعة السياسة الإيرانية في المنطقة كلّها، وإلى مدى عدوانيتها. لدى هذه المؤسسة العسكرية والأمنية الأميركية التي حظيت بتغطية من إدارة ترامب حساب طويل وقديم تسعى إلى تصفيته مع إيران.

يعود هذا الحساب إلى احتجاز دبلوماسيي السفارة الأميركية في طهران طوال 444  يوما ابتداء من تشرين الثاني – نوفمبر 1979. كما يعود إلى تفجير السفارة الأميركية في بيروت في نيسان – أبريل 1983 ومقتل عدد كبير من ضباط وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي.آي .إي) كانوا يعقدون اجتماعا في مقر السفارة. كان على رأس هؤلاء بوب ايمز مسؤول الشرق الأوسط في الوكالة. كان هناك أيضا، بين القتلى، المسؤولون عن محطات الـ”سي.آي.إي” في دول المنطقة. بالنسبة إلى الإدارة الأميركية ومؤسستها العسكرية والأمنية، إن “الجمهورية الإسلامية” مسؤولة أيضا عن تفجير مقر المارينز قرب مطار بيروت في تشرين الأوّل – أكتوبر 1983. قُتل في التفجير الذي نفّذه انتحاري 256 عسكريا أميركيا. كانت تلك أكبر خسارة يتعرّض لها الجيش الأميركي منذ حرب فيتنام التي انتهت في نيسان – أبريل 1975.

لا شكّ أن الوضع الأميركي الداخلي في غاية السوء بسبب وباء كورونا. هناك أسبوعان في غاية الخطورة ستمر بهما الولايات المتحدة حيث بات متوقّعا وفاة نحو ربع مليون شخص بسبب كورونا خلال هذين الأسبوعين. إضافة إلى ذلك، من الباكر توقع هل يخرج دونالد ترامب سالما معافى من عاصفة كورونا التي ضربت أميركا؟

من الباكر أيضا الاستخفاف بقدرة أميركا على المواجهة في العراق وطلب انسحابها منه، كما تفعل إيران حاليا مباشرة أو عبر أدواتها العراقية التي اعترضت، أخيرا، على نشر صواريخ “باتريوت” في قاعدتي عين الأسد في الأنبار وحرير قرب أربيل.

 

يعتبر ما تقوم به إيران حاليا تعبيرا عن عجز أكثر بكثير من قدرة على الفعل. في المدى البعيد، لن تقوم قيامة لإيران في العراق في ظلّ تراجع إيرادات الدولة العراقية، وفي ظل الأزمة العميقة التي يمرّ بها اقتصاد “الجمهورية الإسلامية” بسبب كورونا والعقوبات الأميركية في آن.

لن تفيد الصواريخ التي يطلقها الحوثيون من اليمن في اتجاه الأراضي السعودية إيران في شيء. لا وجود لأي مستقبل أمام المشروع الحوثي، إلا إذا كان المطلوب أن يصبح اليمن أكثر فقرا وتخلّفا.

كذلك، لا وجود لأي فائدة من الاستمرار في الضغط على لبنان واللبنانيين عن طريق “حزب الله”. حسنا، أصبح “حزب الله” يقرر من هو رئيس الجمهورية المسيحي في البلد، ومن هو رئيس الوزراء السنّي. ما الذي حلّ بلبنان الذي تحوّل إلى بلد مفلس لا مكان فيه سوى لوزراء تافهين يتهربون من تحمّل أي مسؤولية عن طريق إلقاء تبعات ما حلّ بالبلد على الحكومات السابقة…

لن يفيد الاستكبار إيران في شيء. ما يفيدها هو التصالح مع نفسها ومع شعبها ومع الواقع. ليس في استطاعة إيران ابتلاع العراق، سواء نجحت في التخلّص من عدنان الزرفي، بحسناته القليلة وسيئاته الكثيرة، وفي منعه من الوصول إلى موقع رئيس الوزراء، أم لم تنجح في ذلك.

مشكلة إيران في العراق ليست مع الزرفي، بل هي مع نفسها أوّلا. لا يوجد في إيران خطاب موحّد تجاه وباء كورونا الذي يفتك بالإيرانيين. لا يوجد سوى من يريد بيع الإيرانيين الأوهام. لا يوجد في إيران من يقول صراحة إن المعركة مع أميركا معركة خاسرة وإن العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب أدّت مفعولها. لم تعد “الجمهورية الإسلامية” قادرة على تصدير أي كمية من النفط. أمّا العراق، الذي كانت إيران تستفيد منه، فهو في حالة يرثى لها على كلّ المستويات في ظلّ العجز عن إقامة نظام جديد قابل للحياة بعد الذي حصل في العام 2003.

لا مكان تحقّق فيه إيران انتصارا سوى إيران نفسها. الانتصار يكون بالاعتراف بأنّ ليس لدى النظام ما يوفره للإيرانيين سوى مزيد من الفقر والعزلة. أمّا بالنسبة إلى الخارج، فليس لدى إيران ما توفّره سوى ميليشيات مذهبية تمتلك أسلحة متنوعة وصواريخ. ما الذي يمكن أن تفعله بهذه الصواريخ غير تدمير مؤسسات دولة مثل لبنان، والمساهمة في تفتيت سوريا أكثر مما هي مفتّتة.

ليس معروفا ما الذي سيحلّ بأميركا بعد الانتهاء من محنة كورونا. الأمر الوحيد الأكيد أنّ أميركا ستعود إلى وضعها الطبيعي بعد شهرين أو ثلاثة أو سنة أو سنتين. من سيدفع ثمن أزمة كورونا دول مثل إيران وأنظمة مثل نظامها يرفض الاعتراف بالفشل أو التعلّم من تجارب الماضي، مهما كان هذا الماضي قريبا… متى تتوقف إيران عن ممارسة الاستكبار الذي طالما كانت تشكو منه؟