كتبت صحيفة الأخبار تقول:
 
 
يتوقع أن ينجز اتفاق أولي يحرّر 61% من الحسابات المصرفية تحوي على 606 ملايين دولار بالليرة اللبنانية، و350 مليون دولار بالعملات الأجنبية. الاتفاق يتضمن تسديد الودائع بالليرة كلها، وتسديد نصف الودائع بالدولار نقداً، ونصفها الثاني بالليرة لكن وفق سعر السوق، لا السعر الرسمي.
وكشف مرجع حكومي بارز لـ«الأخبار» إنه قد يتم التوصل إلى اتفاق أوّلي يحرّر قسماً من ودائع الدولار المسجونة لدى المصارف، مشيراً إلى أن النقاشات الجارية بشأن هذه المسألة ستفضي قريباً إلى صدور تعميم عن مصرف لبنان يحدّد آليات المعالجة ويفرضها على المصارف. وأكد المرجع أن المصارف التي ستخالف التعميم ستواجه بالإجراءات القانونية المناسبة.
وبحسب المعلومات، فإن النقاش يدور حول فكرة أساسية تتمثّل في إقفال جميع الحسابات المصرفية التي يقل حجم الودائع فيها عن 5 ملايين ليرة، أي تسديد المصارف قيمة الودائع المتوافرة في هذه الحسابات مباشرة وفوراً، رغم أن في الحكومة من يريد رفع السقف لتكون شاملة لمن يملك حسابات فيها حتى عشرة ملايين ليرة لبنانية (ونحو 6600 دولار)، الأمر الذي رفضته المصارف.
بالعودة الى الفئة الأولى التي تخص من هم دون الخمسة ملايين ليرة ونحو 3300 دولار. فإن إحصاءات لجنة الرقابة على المصارف تشير إلى أن عدد هذه الحسابات بلغ في نهاية 2019 نحو مليون وسبعمئة ألف حساب (1725030 حساباً)، أي ما نسبته 61٪ من مجمل عدد الحسابات المصرفية. وفي هذه الحسابات ودائع بالليرة اللبنانية بقيمة 606 ملايين دولار (نحو 910 مليارات ليرة)، وودائع بالدولار بقيمة 350 مليون دولار أميركي (قيمة المجموع نحو مليار دولار أميركي). ووفق الإحصاءات نفسها، فإن الأموال المودعة في هذه الحسابات توازي 0.6% فقط من مجموع الودائع.
ومن المرجح أن يفرض التعميم على المصارف دفع كل الحسابات المقوّمة بالليرة اللبنانية دفعة واحدة. أما الحسابات المقوّمة بالدولار، فسيتم تسديد نصفها نقداً بالدولار، ونصفها الثاني سيدفع بالليرة اللبنانية وفق سعر صرف الدولار في السوق. لكن ألا تُعد هذه الخطوة تحريراً لسعر الصرف الرسمي لليرة؟ تنفي المصادر ذلك، مؤكدة أن «هذا إجراء خاص ولمرة واحدة فقط».
إذا صحت هذه الترجيحات، فإن معالجة مشكلة الحسابات بالمقوّمة بالدولار لا تتطلب أكثر من 175 مليون دولار. وسيؤمن مصرف لبنان نصف هذا المبلغ بالدولار للمصارف، على أن تعمل هي على تأمين النصف الباقي من سيولتها، أي أن حصّة كلّ منهما ستكون 87.5 مليون دولار. إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن هذه الأرقام قد تخضع لبعض التعديلات بعد مرور أكثر من 3 أشهر على الإحصاءات المستعملة في هذه الحسابات.
على أي حال، يلاحظ أن معالجة المشكلة لم تكن تتطلب الكثير، بل هو مبلغ يعدّ زهيداً بالنسبة إلى مصرف لبنان والمصارف، إلا أنه يعالج مشكلة عدد كبير من المودعين. هؤلاء المودعون، هم صغار الكسبة الذين يتقاضون رواتبهم بالدولار أو يدخّرون ما أمكنهم من رواتب ضئيلة أصلاً. لكن هذا الإجراء لا يؤمن معالجة مشكلة ما تبقى من صغار المودعين. فبحسب إحصاءات لجنة الرقابة على المصارف، فإن عدد الحسابات التي تتراوح قيمة ودائعها بين 5 ملايين ليرة و30 مليون ليرة، تبلغ 481602 حساب، ونسبتها من مجمل عدد الحسابات المصرفية تبلغ 17.1% وليس فيها أكثر من 2.9% من مجمل الودائع. ففي هذه الحسابات، ودائع بالليرة بقيمة 2139 مليون دولار وودائع مقوّمة بالعملات الأجنبية قيمتها 2317 مليون دولار.
ما تقدّم يعني أنه يمكن معالجة 78.4% من حسابات صغار المودعين بمبلغ يقل عن ثلاثة مليارات دولار.
على أي حال، فإن المرجع الحكومي يشير إلى أن الخطوة التي يتم التحضير لها، أي تسديد حسابات فئة الـ 5 ملايين ليرة وما دون، ستُفرض بالقوة على جميع المصارف، بما فيها تلك التي تحاول ”التشاطر“ من خلال بعض الألاعيب لتجنّب تسديد الودائع. لكن النقاش الجاري حالياً متصل بالأطر القانونية التي ستتبع لتنفيذ هذه الخطة وفرض تنفيذها على المصارف من دون أي تأخير.
 
ويشير المرجع إلى أن ”النقاش الكيدي لا يعالج الأزمة، لذا فمن المهم تجزئة المشكلة من أجل الوصول الى علاجات تسمح بحماية صغار المودعين من جهة، ومنع انهيار المصارف الجيدة وإطلاق دورة العمل في البلاد من جهة ثانية. هذه المبادرة تأتي انطلاقاً من كون الودائع هي حقوق مكتسبة للمودعين ولا مبرّر مطلقاً لسلوك المصارف بحجزها، وخصوصاً في ظل عدم وجود أي قانون يتيح ذلك. والمطلوب فتح الباب أمام مناخات إيجابية في مواجهة الأزمة المعيشية الكبيرة التي تواجه البلاد».
 
كذلك تأتي هذه المبادرة بعد فشل الاتفاق على مشروع ”كابيتال كونترول“ واضطرار رئيس الحكومة إلى سحبه من التداول. هذا المشروع، بحسب رؤية «حركة مواطنون ومواطنات»، كان عبارة عن ”تسوية“ لاحقة لما فرضته المصارف فعلياً في الأشهر الأخيرة من قيود وضوابط على عمليات السحب والتحويل ومنع المودعين من الحصول على أموالهم أو فرض سحبها بالليرة اللبنانية بالسعر المحدّد من مصرف لبنان. وعندما كان يناقش مشروع الـ«كابيتال كونترول»، طرحت فكرة تشير إلى إمكان إعطاء المودعين أموالهم المودعة بالدولار، بالليرة اللبنانية بسعر صرف لا يتجاوز 2000 ليرة، وهو أمر كان سيؤدي إلى فقدان القوة الشرائية لهذه الودائع بنسبة كبيرة مقارنة مع سعر صرف الدولار في السوق الرسمي والذي بلغ أمس نحو 3000 ليرة للدولار الواحد. ورغم الغبن الذي سيلحق بالمودعين، فإن هذه الفكرة طرحت مرات عدّة، لكنها كانت تغيب دائماً عن النسخ المسرّبة للمشروع، علماً بأن إعداد هذه النسخ وعرضها على اللجنة الحكومية مكلف به وزير المال غازي وزني.
 
السؤال الذي تثيره هذه الخطوة يتعلق بمدى تأثيرها على ميزانيات المصارف وعلى احتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية. في الواقع، إن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي أقرّ بأن الموجودات السائلة بالعملات الأجنبية لديه لا تتجاوز 22 مليار دولار، من ضمنها 18 مليار دولار هي احتياطات إلزامية، كان يصرّ على استخدام صلاحياته الواسعة للتحكّم بشكل إنفاقها. وهو حذّر الحكومة من أن توزيع هذه الأموال على المودعين يجعل الصندوق المالي للدولة فارغاً، وأنه سيكون من الصعب بعد ذلك استيراد المواد والحاجات الأساسية من فيول ومحروقات وقمح ودواء، بالإضافة إلى ما هو مستجدّ من نفقات خاصة بمواجهة أزمة كورونا. بمعنى آخر، سلامة يريد أن يحصر قرار وجهة استعمال هذه الأموال بنفسه، وهو أجاب عن سؤال يتعلق بإمكانية تسديد قسم من الودائع بـ«استحالة الأمر». لكنه في المقابل لم يكن يمانع دفع أصول وفوائد سندات اليوروبوندز البالغة 4 مليارات دولار (سددت دفعتان: الأولى بقيمة 33 مليون دولار في كانون الثاني، والثانية بقيمة 71.5 مليون دولار في شباط).
 
موقف سلامة كان موجوداً في الوقت نفسه لدى المصارف التي تشكو من نقص في السيولة، إذ بحسب مصادر مطّلعة، إن سيولتها الخارجية باتت سلبية بقيمة 1.8 مليار دولار لأن قيمة التزاماتها في الخارج تتجاوز قيمة أصولها فيه.
أما الأثر الذي يمكن أن ينتج من تسديد هذا القسم من الودائع، فيكاد يكون غير ملحوظ قياساً مع احتياطات مصرف لبنان ومع موجودات المصارف.