حكومة سياسية بامتياز تخضع لآراءِ ومزاجِ أولياء الامر، وأنّ الوزير فيها ليس أكثر من مجرّدِ لاعبٍ يتحرّك وفق مقتضياتِ زعيمه أو الجهة التي نصَّبته والأبرز أنّ توليفة هذه الحكومة كشفت أنّ ما يجمع بينها هو أقلٌّ بكثيرٍ ممّا يفرّقها وأنّ الثقة التي مُنِحَت لها ناجمةٌ عن سياسيين فقدوا ثقة شعبٍ لم يعد يرضى بأنصافِ الحلول ولا السكوت عن أوجاعهِ.
 

بالوقت الذي يستمر العالم أجمع في العمل الدؤوب لمكافحة فيروس كورونا المستجد ، يعيش أهل الحكم في لبنان حالة إنفصام كلّي عمّا يجري، من يتابع ما يجري على مستوى الحكومة يعتقد أن فريق الحكم يعيش في كوكب آخر، همّهم عقد الصفقات ومحاصصة التعيينات التي تم تأجيلها، لشدة الخلافات المتحكمة في ما بينهم. 
التصريحات التي يتعمّد رئيس الحكومة حسان دياب توجيهها في كل جلسة لمجلس الوزراء، تشير إلى أن الرجل في أزمة إنتاج حقيقية، يسعى للتعمية عليها بتوجيه اللوم للقوى المناوئة لسياسة حكومته أو المنتقدة لأدائها. 

 

لا يبدو رئيس الحكومة هو نفسه مقتنعاً بما يقوم به من خطوات، اذ تبدو حكومته رهينة استئثار تمارسه قوة سياسية دون غيرها. والآخرون يتصرفون تبعاً لذلك رفضاً أو قبولاً أو كباشاً معها.

 

وفيما اعتبرت مصادر سياسية مراقبة أن الحكومة مصابة بداء التردد وليس هناك من مؤشرات على انها قد تشفى منه في وقت قريب، لفتت إلى ما حصل بالنسبة لأداء الحكومة في الاسبوعين الماضيين ما يؤكد صحة هذه النظرية بدءًا من الفشل بوضع خطة الإنقاذ الاقتصادي الى التراجع بموضوع الكابيتال كونترول الى التردد في تعيين نواب حاكم مصرف لبنان بعدما كان من المفترض الانتهاء منه قبل أسبوعين، الى تأخير  التدابير التي قد تتخذها الهيئة الناظمة لضبط العمل في المصارف وتطمين المودعين على ودائعهم ولجم الارتفاع الجنوني في سعر صرف الدولار، الى ترددها في إعادة اللبنانيين المغتربين الى وطنهم ولو لم يهدد الرئيس نبيه بري بتعليق مشاركته في الحكومة لكان موضوع إعادتهم معلق أيضا حتى الساعة.

 

وإلى ذلك فإن ملف المساعدات العينية للعائلات الأكثر فقرا، والذين توقفوا عن العمل بسبب أزمة كورونا، لا يزال أيضا موضع أخذ ورد وتعديل، فقد كانت الحكومة قبل اسبوعين شكّلت لجنة طوارئ وزارية من 9 وزراء أقرت اعطاء هذه العائلات سلّتين واحدة تضم مواداً غذائية وثانية مواد تنظيف، وفيما كانت هذه العائلات تنتظر البدء بتوزيع تلك المساعدات عاد وأقرّ مجلس الوزراء مساعدة مادية بقيمة 400 ألف ليرة لهذه الحالات، ولم يُعرف ما اذا كانت هذه المساعدة ستكون هي البديل عن السلال التي أُقرت في السابق ام ستضاف اليها.

 

إقرأ أيضًا: الجوع يتسلل والحكومة لاحول لها ولا قوة

 

وفي سياق النهج الترددي القائم في أداء الحكومة، والتي يبدو انها لا تسير الا بسياسة العصا، فبعدما لوّح الرئيس بري بتعليق المشاركة في الحكومة اذا لم تُقر الية اعادة المغتربين، ها هو رئيس تيار المردة سليمان فرنجية يهدد بالاستقالة منها اذا لم يحصل على حصته. في هذا السياق تعقّدت أكثر فأكثر مسألة التمثيل السنّي بسبب إصرار رئيس الحكومة حسان دياب على أن تكون المراكز السنية من حصته أو من حصة الفريق السني المؤيد له، ما دفع الرئيس سعد الحريري الى التهديد باستقالة نواب المستقبل من المجلس النيابي، وهذا الأمر سيؤدي حتما إلى استقالات مماثلة، وربما الإعلان عن انتخابات مبكرة. تهديد الحريري باستقالة نواب المستقبل وصفته مصادر الكتلة بـ الجدّي وغير المستبعد في حال استمرت سياسة الإلغاء على النحو الذي تسير فيه. واتهمت المصادر رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل وبعض فريق السلطة بالعمل على عزل المستقبل، وكل من يمت للحريرية السياسية بصلة. 

 

كشفت الانتكاسات المتتالية التي تعرّضت لها المشاريع التي عملت الحكومة على إنجازها بأن الحكومة ليست موحدة، ولا تمللك الاستقلالية التي وعدنا بها رئيسها، وهي لا تملك فعلياً القدرة على المبادرة واتخاذ القرارات اللازمة لمعالجة وجوه الأزمة. صحيح ان الحكومة تضم مجموعة من الأشخاص الاكفاء، ومنهم من له باعه الطويل وخبرته في حقل اختصاصه، ولكن ذلك لا يكفي لتحويل هذه المجموعة إلى  حكومة فاعلة موحدة الرؤية والرأي والقرار . 

 

سقطت إدعاءات حكومة التكنوقراط بعدما تبيَّنَ بالعين المجرّدة أنها حكومة سياسية بامتياز تخضع لآراءِ ومزاجِ أولياء الامر، وأنّ الوزير فيها ليس أكثر من مجرّدِ لاعبٍ يتحرّك وفق مقتضياتِ زعيمه أو الجهة التي نصَّبته. والأبرز أنّ توليفة هذه الحكومة كشفت أنّ ما يجمع بينها هو أقلٌّ بكثيرٍ ممّا يفرّقها وأنّ الثقة التي مُنِحَت لها ناجمةٌ عن سياسيين فقدوا ثقة شعبٍ لم يعد يرضى بأنصافِ الحلول ولا السكوت عن أوجاعهِ. 
انّ مكمن العلّة التي تهدّد الحكومة هو في عقلية بعض اطرافها التي ما زالت متمسكة بسلوك طريق النهج القديم الذي سبّب الأزمة المشكو منها اقتصادياً ومالياً. والمثال الصارخ تبدّى في التشكيلات القضائية التي جاء تعطيلها او تجميدها ، لتشكّل اولى الصفعات لمبدأ الحيادية والنزاهة والكفاءة الذي رُفع لواؤه مع تشكيل حكومة دياب. وكذلك في الصفعة الثانية للحكومة، التي جاءت من باب التعيينات المصرفيّة، التي أُريد لنصفها المسيحي ان يكون مديناً بالولاء الى جهة معيّنة دون سائر الآخرين.