تفوّق ارتفاع أسعار الخضار والفاكهة على غيره من السلع الاستهلاكية، وفيما يبرّر التجار ارتفاع أسعار السلع لارتباطها بسعر الدولار في السوق الموازي، فكيف يبرّر المزارعون ارتفاع أسعار الخضار والفاكهة الجنوني، والذي بحسب جمعية المستهلك زادت بنسبة 27 في المئة و 20 في المئة على التوالي؟
 

بعد جولة على بائعي الخضار يتبيّن الآتي: سعر كيلو الموز يتراوح بين 1750 و 2000 ليرة، البندورة والخيار والكوسى والتفاح ما بين 3500 و4500 ليرة والبطاطا ما بين 1500 و2000 ليرة، حامض وجزر وبصل 3000 ليرة للكيلو، لوبيا 7000 ليرة الكيلو والثوم 10 آلاف ليرة للكيلو. وإذا كانت اسعار بعض السلع المستوردة مبرّرة، منها على سبيل المثال، انّ سلة الكيوي 6000 ليرة وكيلو الاناناس 5000 ليرة، فما اسباب ارتفاع اسعار الخضروات بهذا الشكل اذا كانت من المنتجات اللبنانية؟

 

في هذا السياق، أكّد رئيس تجمّع مزارعي وفلاحي البقاع إبراهيم الترشيشي، انّ أسباباً عدة وراء ارتفاع أسعار الخضار والفاكهة، ولعلّ ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة ووجود سعرين او ثلاثة، هو احد أبرز الأسباب، لافتاً الى انّ الغلاء طاول المنتجات المستوردة، والتي تأتي في غير مواسمها، والمنتجات المهرّبة، فهذه جميعها تحتاج الى عملة صعبة.


 
 

على سبيل المثال، ارتفع سعر الثوم بشكل جنوني ليصل سعر الكيلو الى 10 آلاف ليرة، ومردّ ذلك الى توقف استيراده من الصين بعد انتشار فيروس «كورونا» هناك، فعمد التجار، كما كل تجار المنطقة، الى استيراده من مصر، ما أدّى الى ارتفاع أسعاره. كذلك لجأ التجار الى استيراد البطاطا والبصل من الخارج، لأنّ الموسم لم يبدأ في لبنان، لذا ارتفعت اسعارهما. وقد حرص وزير الزراعة على عدم إعطاء إجازات استيراد بكميات كبيرة حرصاً على الإنتاج المحلي، مع اقترابنا من مواسم القطاف التي تبدأ اعتباراً من 15 الجاري.

 

وعزا الترشيشي ارتفاع أسعار المستوردات من الخضار، الى لجوء التجار لشراء الدولار من السوق وفق سعر الصرف في السوق الموازي لدفع ثمنها الى الخارج، وليس من خلال التحويل عبر المصارف بسعر الصرف الرسمي كما جرت العادة.

 

أما عن ارتفاع أسعار المنتجات اللبنانية مثل الخيار والبندورة والكوسى والملفوف والارنبيط والباذنجان قال الترشيشي: «انتاج هذه الأصناف جاء ضعيفاً هذا العام، لأنّ زرعها بدأ في فترة ارتفاع سعر الدولار في السوق الموازي وتوقف التحاويل الى الخارج، فلم يتمكن، خصوصاً صغار المزارعين، من شراء البذور والأسمدة والأدوية اللازمة، لأنّه كان يجب تأمين سعرها نقداً وبالدولار، كما لم يتمكنوا من الاستدانة من شركات بيع المستلزمات الزراعية، لأنّها فرضت عليهم دفع ثمن البضاعة نقداً قبل استلامها».


 
 

في واقع هذه الحال، تقلّصت المساحات المزروعة، فمن كان يزرع 10 بيوت بلاستيكية زرع بيتا او اثنين او توقف عن الزرع، يُضاف الى ذلك عامل الطقس الذي لم يساعد كثيراً في نمو الإنتاج، بعدما سُجّل تدنٍ ملحوظ في درجات الحرارة اقلّ من معدلها السنوي ولفترات طويلة خلال فصل الشتاء، في حين انّ نمو المزروعات يحتاج الى حرارة مقبولة في الشتاء.

 

وإلى جانب هذه التحدّيات، اتت أزمة «كورونا»، التي رفعت الطلب على المنتجات الزراعية بشكل ملحوظ، بعدما تهافت المستهلكون على شراء الخضار وتخزين ما أمكن منها خوفاً من «كورونا» ولقطع الطريق امام خروجهم يومياً من المنزل. وعادة يستعين لبنان في ظروف مماثلة بالمنتجات الأردنية، بموجب اتفاقية بين البلدين لسدّ النقص في الأسواق اللبنانية، لكن الجانب الأردني لم يلبِ حاجة لبنان بسبب امتعاضه من الضريبة المرتفعة التي يفرضها الجانب السوري كرسم مرور في أراضيه، فأوقف التصدير الى لبنان.

 

ولفت الترشيشي، الى انّ المنتجات المخزّنة في البرادات منذ الصيف، أي قبل ارتفاع أسعار الدولار في السوق الموازي، مثل التفاح والعنب والليمون، لا تزال تباع وفق الأسعار القديمة التي كان يُعمل بها العام الماضي.

 

إضافة الى كل هذه العوامل، لفت الترشيشي الى ظاهرة اختلاف اسعار المنتجات الزراعية من منطقة الى أخرى، وباختلاف مكان عرضها بين متجر صغير وسوبرماركت او متجر كبير. وناشد وزارة الاقتصاد ان تلعب دورها في حماية المستهلك، عبر الحدّ من الأرباح غير المنطقية لبعض تجار المفرق.

 

كما حمّل الترشيشي المصارف اللبنانية جزءاً كبيراً من المسؤولية في تراجع الإنتاج الزراعي، لأنّهم، وبفضل الإجراءات والقيود التي يفرضونها على المودعين، لم يتمكّن المزارعون من توفير الأموال لزوم الزراعة. على سبيل المثال، أقدم عدد كبير من مزارعي البطاطا في البقاع على زرعها من دون كيماوي وأسمدة لعدم قدرتهم على شرائها. وأسف لأنّ «المصارف لم تكتف بمنعنا من تحويل اموالنا لاستيراد البذور والأسمدة والمستلزمات الزراعية، انما لا تسمح لنا أيضاً بسحبها والتصرّف بها».


 
 

وقال: «الأخطر، انّه اذا لم نتمكن من شراء هذه المستلزمات من الخارج فإنّ القطاع الزراعي مهدّد باستمراريته، والمصارف تتحمّل المسؤولية الكبيرة في تراجع الإنتاج الزراعي وتخلّف المزارع عن تأمين حاجات السوق».

 

الى متى يستمر الغلاء؟

الى ذلك، كشف الترشيشي انّه اعتباراً من 15 الجاري سيلاحظ المستهلك تراجعاً في أسعار بعض المنتجات الزراعية ما بين 30 الى 40% مقارنة مع الأسعار الحالية، عازياً ذلك الى بدء توفّر بعض المنتجات اللبنانية مثل البصل والبطاطا من الساحل وسهول عكار، ما من شأنه ان يؤمّن وفراً في العرض ليوازي الطلب أو أكثر.