قبل أشهر قليلة كنا نتساءل هل سيصل سعر صرف الدولار في لبنان إلى 3000 ليرة في السوق الموازية؟ كان الرقم بالنسبة لنا كارثيًا، مع ما يعكسه من ارتفاع في أسعار السلع في بلد يستورد بالعملة الصعبة عشرة أضعاف ما يصدّر. لم يطل الوقت حتى تجاوز سعر الصرف هذا الرقم، والأسوأ أن كلّ التوقعات تشير إلى مواصلة مساره التصاعدي من دون سقف محدّد، طالما أنّ المعالجات والرؤى غائبة.
 

بالأمس كتب الإستراتيجي في أسواق البورصة العالمية والشؤون الاستثمارية جهاد الحكيّم على حسابه على فيسبوك رقم "3200"، فانهالت الأسئلة من متابعيه عمّا إذا كان الرقم المذكور هو المستوى الذي يتوقّعه لسعر صرف الدولار، ليوضح بدوره أنّ الرقم ليس توقّعًا بل حقيقة، وهو السعر الذي اعتمده أحد الصرّافين في بيروت بالأمس في عملية بيع الدولار لأحد زبائنه، علمًا أنّ الصرّاف نفسه ردّ زبائن آخرين خائبين، مؤكّدًا لهم أن لا دولار لديه، خوفًا من أن يقوم هؤلاء، الذين لا تربطه بهم معرفة أو ثقة، بالتبليغ عن مخالفته تعميم مصرف لبنان بعدم شراء الدولار بما يفوق هامش ربح 30 بالمئة عن السعر الرسمي. هذا التعميم الذي انهار لحظة ولادته.

 

ذن الصرّافون يمتنعون عن بيع وشراء الدولار من قبل أشخاص غير معروفين من قبلهم، حتّى ولو كان المبلغ لا يتجاوز المئة دولار، والأزمة أعمق من تحايل هؤلاء وفلتان سوق الصيرافة، بل هي نتيجة واقع سبق وباء كورونا واستفحل بعده، وفق مقاربة الحكيّم، أمّا الحكومة فلا تزال هناك على مدارج المتفرجين، من دون أن نعرف ماذا تنتظر لتقّر خطتها الإنقاذية الموعودة.

الحكيم وفي حديث لـ "لبنان 24" توقّع أن يواصل سعر صرف الدولار مساره التصاعدي "لا سقف للدولار بغياب الحل، ولن يقف على عتبة 3200، وسيشح أكثر فأكثر، خصوصًا في ظل الترويج برفع سعر الصرف رسميًا إلى ألفي ليرة بالتزامن مع عدم إتاحة حصول المودع على أمواله بالدولار، وفق ما يحكى عن تعميم سوف يصدر بهذا الإتجاه. هذا الجو هو بمثابة رسالة مبطّنة، مفادُها أن لا دولارات، وفي حال صدر تعميم بهذا الموضوع سيتدهور سعر الصرف أكثر، لأنّه في هذه الحال لن يكون بالإمكان الحصول على دولار من المصارف" .

 

جملة عوامل تتواطأ وتجعل الدولارعملة نادرة في لبنان، يرتفع سعر صرفها إلى مستويات غير مسبوقة وفق الحكيّم، منها تقلّص المنافذ التي تتيح إمكانية إدخال الدولار إلى لبنان، "فالدولار الذي كان يتأتى من السياحة إنعدم بالكامل، والذي كان يتأتى من التصدير تناقص بدوره مع تفشّي فيروس كورونا فضلًا عن تزايد الحاجة المحلية. أمّا المصدر الثالث لدخول الدولار عبر أموال المغتربين فتضاءل بدوره، لأنّ هؤلاء توقّفت أعمالهم في بلدان الإغتراب بفعل تداعيات كورونا، ولم يعد بمقدورهم إرسال الأموال إلى ذويهم بالوتيرة نفسها. أمّا الودائع والمساعدات من دول عربية فتوقفت بدورها، وبالتالي انخفض العرض إلى مستويات متدنية". 

كل هذه العوامل تشكّل ضغطًا على سعر الصرف، يُضاف إليها سلوك المصارف التي استغلّت أزمة كورونا "ما زاد الطين بلّة أنّ المصارف تمتنع عن إعطاء الدولار لزبائنها، وعن تلبية الحاجة بفعل إقفال أبواب فروعها، وفي الوقت نفسه امتنعت عن تزويد زبائنها بالقليل من الدولارات عبر ماكينات الصرف الآلي، ودولار المصارف على قلّته كان يشكّل متنفّسًا ولو محدودًا. في هذه الحال من أين سيأتي التجار بالدولار للإستيراد؟ لن يجدوا أمامهم سوى الصرّافين الذين سيرفعون سعرهم في ظلّ انخفاض العرض".

في تداعيات أزمة شح الدولار يتوقع الحكيّم أن ترتفع أسعار المواد الإستهلاكية، ليس بفعل جشع التجار فقط، بل كون البلدان المصدّرة تعمد إلى خفض كمية التصدير، وإلى تخزين المواد لحماية أمنها الغذائي تحسبًا لتفاقم الأزمة، ولقد حذّرت منظمة الأغذية والزراعة في الأمم المتحدة FAO  من هذا الموضوع.

المشكلة الأعمق بنظر الحكيّم، تبقى في غياب المعالجات والرؤى، في ظل حكومة تثبت أنّها غير مستقلة لأخذ القرارت الإصلاحية، فالأزمة في لبنان ليست بفعل كورونا وإن تفاقمت بظل تفشي الوباء عالميًا، هذا ما كشفته ثورة 17 تشرين، وبالتالي التّذرع اليوم بفيروس كورونا يدحضه المنطق، وإن كان حجّة مناسبة للبعض في حرف الأنظار عن حقيقة الأزمة.

نوال الاشقر