في ثقافة الحزب ممنوع على أي أحد وبالخصوص البيئة الحاضنة أن تولي بصرها إلى حامي إلا حماية الحزب و باني إلا ما يبنيه الحزب و ابطال إلا أبطال الحزب و مجاهدون إلا مجاهدي الحزب ..... وبالتالي فإن أي تصفيق لغير حماية الحزب هو حتما يعتبر من سنخ التصفيق الحرام .
 

لم يفهم كثيرون الظاهرة الشواذ المتزامنة مع دعوة التصفيق التي دعت إليها الاعلامية ديما صادق وغيرها من الاعلاميين والفنانين والناشطين، كعربون شكر وتقدير وامتنان للطاقم الطبي والتمريضي العامل في مستشفى رفيق الحريري الجامعي، والذي يشكل هؤلاء الابطال خط الدفاع الاول عن المجتمع اللبناني بمواجهة جائحة فيروس كورونا.

هذا مع الأخذ بعين الاعتبار أن الأمين العام لحزب الله كان هو نفسه قد توجه بالتحية في إطلالته منذ أيام  للطاقم الطبي بشكل عام وأكد حينها بوجوب الوقوف إلى جانب حقوق ومطالب هؤلاء الأبطال وأشاد بدورهم الريادي والأساسي في هذه الظروف العصيبة.
 
إذن كيف يمكن أن نفهم هذا الإنزعاج والإمعتاض من جمهور الحزب والبيئة الحاضنة له والذي عُبّر عنه بالتزامن مع لحظة التصفيق بالخروج الى الشرفات والصراخ ب "لبيك يا حسين" في الضاحية الجنوبية وعلى امتداد مناطق نفوذ الحزب بقرى الجنوب والبقاع ؟؟! 

قيل لنا كمحاولة تبرير بأن التزامن هو محض صدفة وتقاطعت الدعوة للتلبية الحسينية بمناسبة ذكرى ولادة الامام الحسين،وبما أنه متعذر على الحزب إحياء هذه المناسبة بسبب الظروف المعروفة، فاستعيض عنه بالتلبية من على الشرفات !! هذا التبرير الذي لم يقنع أحدا، بالخصوص أنه كان وبكل بساطة يمكن الجمع بين الدعوتين، بحيث يخرج "الحسينيون" فيصفقوا لدقيقة واحدة، ومن ثم يصرخون ب "لبيك يا حسين" فتنتهي القصة من دون إثارة جدل لا مكان له ولا طعم وهذا ما لم يحصل.
 
 أما التحليل الواقعي، فأنا أعتقد أولا بأن التزامن لم يكن محض صدفة بل هو جاء بأوامر تنظيمية وبقرار حزبي (ودعوات عبر مواقع التواصل)، ثانيا الموضوع بالنسبة للحزب له ارتباط وثيق بالتعبئة الثقافية لقواعده وجمهوره.

 

إقرأ أيضًا: قراءة في العراضة الطبية الاعلامية لحزب الله

 


 
يقوم الحزب ومنذ نشأته على فكرة محورية أساسية تقول لناسه وأتباعه وحتى لحلفائه أنه هو فقط المخول بحماية المجتمع الشيعي أولا واللبناني ثانيا (والسلاح هنا هو المحمول الأول والأخير لمفهوم الحماية)، وإن أي مصدر حماية واطمئنان لا يمكن أن يتوفر بعيدا عنه، وهنا لا بد أن نستذكر حادثة منع الجيش اللبناني من إقامة مهرجان للاحتفال بالانتصار على الارهاب الداعشي بعيد هزيمته في معركة "فجر الجرود"، وما أبداه الجيش اللبناني يومها من بطولات وحرفية عالية شهد له فيها الأقربون والأبعدون، لدرجة أنه كاد الجيش اللبناني يومها أن يتبوء مرتبة "الحامي" و "المدافع" عن لبنان وهذا ما أزعج الحزب حينها  وعمل جاهدا وقتها على حرمان الجيش اللبناني نيل هذا الوسام الطبيعي، فحرمه من الاحتفال وبالتالي من مشهد التصفيق له من قبل اللبنانيين جميعا مفترضا أن هذا التصفيق قد يتسلل خلسة بين صفوف جمهور الحزب وبيئته .
 
وكذلك الحال ها هنا بموضوع "الجيش الابيض" الواقف على خطوط  النار الأولى في "جبهة" مستشفى رفيق الحريري، فكما أن التصفيق للجيش اللبناني قد منع من خلال منع الاحتفال المقرر بساحة الشهداء، فإن التصفيق للجيش الابيض قد منع أيضا من خلال "لبيك يا حسين"، لأنه بثقافة الحزب ممنوع على أي أحد وبالخصوص البيئة الحاضنة أن تولي بصرها إلى "حامي" إلا حماية الحزب  و "باني" إلا ما يبنيه الحزب  و "ابطال" إلا أبطال الحزب و "مجاهدون" إلا مجاهدي الحزب ..... وبالتالي فإن أي تصفيق لغير "حماية الحزب" هو حتما يعتبر من سنخ التصفيق الحرام .

حتى إذا ما  كان "العدو"  الآن هو عبارة عن فيروس غير مرئي وبالتالي هو عدو غير مباشر وصواريخ الحزب وسلاحه لا مكان لهم في هذه المعركة، فلا بأس حينئذ من استحضار "أسلحة" وهمية وغير مرئية يمتلكها الحزب ويذكّر بها جمهوره من خلال استحضار قوة غيبية غير مرئية أيضا تنسجم مع طبيعة المعركة، تتمثل بقدرات "اهل البيت" الخارقة بحسب الفكر المذهبي، وأهل البيت (بثقافة الحزب) هم من عداد تشكيلاته الحزبية، واستدعاؤهم لخوض غمار المعركة الآن يكون من خلال شعارات وهمية على غرار "لبيك يا حسين" و "لبيك يا مهدي"، وبالتالي فإن الحزب حينئذ يكون هو حامل لواء الحرب ويخوض غمارها ولو بأسلحة وهمية يعرف هو أن هذه الأسلحة المذهبية المفتعلة زورا وتضليلا لم تجدِ بالدفاع عن نفس مقامات وأضرحة أهل البيت في العراق وايران فأقفلت أبوابها ومنع زوارها بسبب هذا الوباء، وهذا ليس مهما  لأن المهم هنا هو عدم الوقوع بجرم التصفيق الحرام لغير الحزب ليس إلا .