تكتظ السجون اللبنانية بنزلاء موقوفين ومحكومين في دعاوى جنائية ترتفع أصواتهم مطالبين بإقرار قانون للعفو العام، في ظل انتشار فيروس "كورونا المستجد"، والمخاوف من تفشيه داخل الزنزانات.
 
ورغم اتخاذ السلطات تدابير لحماية نحو 10 آلاف سجين، يتصاعد التساؤل بشأن إن كان سيتم إقرار هذا القانون.
 
ويوجد في لبنان 19 سجنًا للرجال و4 للنساء وواحد للأحداث يضم ذكورًا وآخر يضم فتيات، وهي تحت رقابة وزارة العدل.
 
ويصدر البرلمان قانون العفو العام لإزالة الصفة الجرمية عن فعل يمثل جريمة يعاقب عليها القانون، فيصبح كأنه لم يُجرَّم أصلًا.
 
وقد يشمل العفو العام بعض الجرائم كليًا، ويخفض عقوبة البعض الآخر إلى النصف أو الربع مثلًا، فتبقى الجريمة قائمة، ويُنفذ القسم الباقي من العقوبة.
 
** لا جديد
 
الوكيل القانوني للموقوفين الإسلاميين، محمد صبلوح، يقول للأناضول، إن "موضوع العفو العام شائك؛ لأنّه يُستخدم حسب مصلحة كل جهة سياسية قبل الانتخابات النيابية، ويوجد داخل السجون نحو 2300 مسجون (إسلامي)".
 
وبشأن إن كانت أزمة "كورونا" ستُسرّع بإقرار القانون، يجيب بأن "دول العالم أقدمت على هذه الخطوة إلّا لبنان، رغم أن السجون اللبنانية معدومة ومكتظة".
 
ويتابع: "في حال تفشي الوباء سنقع أمام كارثة حقيقة، وبحسب معلوماتي فإنّ الحكومة اجتمعت قبل أيام، وهي تتفاوض على هذا القانون، لكن حتى الآن راوح مكانك (لا جديد)".
 
ويردف: "تفاجأنا من تصريح التيار الوطني الحرّ (بزعامة وزير الخارجية السابق جبران باسيل)، والذي تضمن الرفض للقانون العام العشوائي، مع العلم أنّ هذا التيار استفاد منه في العام 1990".
 
وحذر التيار، في بيان قبل أيام، من "إصدار عفو عام عشوائي"، مشددًا على أنه "لا يجوز إطلاقًا ارتكاب الموبقات القانونية بحجة الوقاية من كورونا، أما مسؤولية حماية المساجين فتقع على عاتق السلطات المسؤولة".
 
ويوضح صبلوح: "لا نطالب بعفو عام عن من يثبت أنه قاتل الجيش اللبناني بالدليل القاطع، لكن هناك مظلومين، بينهم من تمت محاكمتهم لأنه توجد راية لداعش على هاتفه".
 
ويشدد على أنه "إذا طال لا سمح الله الوباء أحد المساجين سأرفع إلى المنظمات الدولية دعاوى قضائية بتهمة التقصير والاستهتار بحياة السجناء".
 
** مسألة وقت
 
عضو الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان (غير حكومية)، بسام القنطار، حذر من أن "الوضع الصحي بسجون لبنان هش بالأساس، ومنذ 6 أشهر انتقل الجرب بين مساجين لسوء النظافة".
 
ويقول القنطار للأناضول: "في الوقت الراهن ليس هناك انتقال لفيروس الكورونا، لكنّ انتقاله مسألة وقت فقط".
 
ويستطرد: "الكورونا هو استحقاق كبير أمام المنظومة السجنية، والمشكلة الآن هي غياب المحاكمات عن عشرات المواقفين احتياطيًا، وصولًا إلى أشخاص انهوا محكومياتهم، لكن لهم مشكلات مالية لدفع الكفالات".
 
** مصيدة للوباء
 
وبخصوص سلامة السجون، تكشف رئيسة الهيئة اللبنانية للعقارات، أنديرا الزهيري، للأناضول، إن "الأبنية باتت تشكّل مصدرًا لإنبعاث الغازات السامة المضرّة بصحة السجين، ما تعرضه لمخاطر كبيرة وتُضعف مناعته، ومن الممكن أن تنقل أي عدوى بين المساجين أو بين أهلهم، وأيضًا إلى العناصر الأمنية".
 
وتعتبر الزهيري أن "السجون في لبنان هي مصيدة لوباء الكورونا الفتاك، الذي ينقض على الأشخاص ذوي المناعة الضعيفة، وهو ينتقل من خلال المسطحات والعدوى المباشرة وغير المباشرة".
 
وحتى مساء الإثنين، أودى الفيروس بحياة 11 شخصًا وأصاب 446 في لبنان، بينما أصاب إجمالًا أكثر من 770 ألف شخص في 199 دولة وإقليم، توفى منهم ما يزيد عن 36 ألفًا، بينما تعافى أكثر من 160 ألفًا.
 
** استحالة إقرار العفو
 
ووفق أشرف الموسوي، وهو محامٍ، فإن "الكلّ ينتظر إقرار هذا القانون، لكنّ في ظل التعبئة العامة بلبنان هناك استحالة لاجتماع مجلس النواب (لإقرار القانون)، والمطلوب الآن هو تنشيط وتفعيل مبادرة إخلاء سبيل الموقوفين (قيد التحقيق)، لتخفيف اكتظاظ السجون".
 
ويضيف الموسوي للأناضول: "إذا أردنا ربط موضوع كورونا بالعفو العام، فهناك استحالة لإقراره؛ فالبلد مشلول والمؤسسات مقفلة".
 
ويردف: "يجب إخلاء سبيل المساجين في جرائم مثل التزوير والسرقة، وتوقيفهم استمرّ أكثر من عام، وكذلك مروجي العملة المزورة".
 
ويتابع: "هناك تجار مخدرات لم تصدر محكوميتهم، ومرّ على توقيفهم سنوات، هؤلاء يجب إخلاء سبيلهم، لتخفيف الاكتظاظ، حيث يوجد حوالي 10 آلاف سجين بلبنان من جنسيات مختلفة، بينها السورية".
 
** استحقاق إنساني
 
وبشأن استعداد البرلمان لإقرار قانون للعفو العام، يذكر عضو لجنة الإدارة والعدل البرلمانية، النائب بلال عبد الله، للأناضول، أن "موضوع العفو العام ترك انعكاسات وانفعالات في المجلس النيابي طوال السنوات الماضية بين الكتل النيابية، وأخذ أحيانًا طابعًا طائفيًا".
 
ويتابع: "نحن حاليًا أمام أزمة حقيقية ووطنية، ويجب اعتماد إجراءات سهلة وغير مبطنة، خاصة وأنه يوجد أشخاص مظلومين".
 
ودعا عبدالله إلى "التخفيف بالقدر الممكن من أعداد المساجين، لما يشكلونه من أعباء للدولة، كما أنهم يجب أن يكونوا بظروف صحية جيّدة بين أهلهم".
 
ويشدد على أن "السلطة أمام استحقاق إنساني بالمقام الأول، وعليها أن تبعد الاعتبارات الطائفية والمناكفات، فالبلد أمام خطر اقتصادي، اجتماعي، صحي".
 
** عدم الإفراط في العفو
 
عضو لجنة الإدارة والعدل البرلمانية، النائب جورج عقيص، يكشف أن "موضوع قانون العفو أثير في تشرين الثاني (نوفمبر) الفائت، وقُدّم من جانب الحكومة، وتبناه كقانون مُعجل مُكرر النائب ياسين جابر، وكان لدينا ملاحظات إلا أنها لم تتبدد".
 
ويستطرد عقيص للأناضول: "قانون العفو هو منحة دستورية لمجلس النواب، ولكن لا يجب الإفراط في استعماله، وهو يُقرّ في حال أحداث تاريخية في أي دولة تستوجب أن يكون هناك قانون للعفو العام لطوي صفحة، كما حصل بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية عام 1990".
 
ويتابع: "اليوم ما هو مطروح هو الاستعجال في إقرار قانون العفو تحت حجتين، الأولى هي كورونا، وأنا أظن أن الحكومة باستطاعتها أخذ تدابير وقائية واضحة ليس في السجون فقط، وإنما في جميع الأمكنة".
 
"أمّا الحجة الثانية فهي أن هناك موقفين لم يُحاكموا، ولكنّ التعويض عن ذلك ليس بالعفو عن الجرائم، وإنما بتسريع المحاكمات"، وفق عقيص.
 
وأعلنت وزيرة العدل، ماري كلود، عبر "تويتر" الأربعاء الماضي، أن الحكومة أقرت مشروع قانون قدمته الوزيرة، ويعفو عن الغرامة بالنسبة لسجناء منعهم عدم تسديدها من مغادرة السجن، رغم إنقضاء محكوميتهم.
 
** إخلاءات إلكترونية
 
من جهته، يقول أمين عام نقابة المحامين اللبنانيين، سعد الدين خطيب، للأناضول، إن "مجلس النواب يدرس موضوع قانون العفو، لكن خواتيمه غير معلومة".
 
ويضيف أن "إخلاء السبيل الذي يحصل إلكترونيًا هو للمساعدة في تسريع الإجراءات، حيث يتحول إلى طلب إلكتروني عند القاضي المختص، وهو يدرس الملف".
 
ويشدد خطيب على أن "إخلاء السبيل الذي يحصل إلكترونيًا هو قانوني، ولا أحد فوق القانون".