في الأيام الأخيرة، إتضحت الهوية الحقيقية لحكومة الرئيس حسّان دياب. هي ليست تماماً حكومة «صفقة 2016»، وتحديداً «حزب الله». وهي طبعاً ليست حكومة التكنوقراط التي تريدها انتفاضة 17 تشرين. وهي ليست الحكومة المفضّلة لا لإيران ولا للولايات المتحدة الاميركية. إنّها بالضبط «شيءٌ رمادي» تقبَّله الجميع على مضض، وأرادوا استغلاله لكسب الوقت. وكل طرفٍ يراهن على ظروفٍ تسمح له بأن يقتلع الحكومة «الرمادية» ويشكّل حكومته!
 

يقول أحد الوزراء، وهو غير محسوب مباشرة على فريق سياسي: ما تقوم به الحكومة لا يستحقّ الحملة التي يشنّها بعض القوى السياسية. فربما تتأخّر الحكومة في حسم ملفات، وتتعثّر في أخرى، لكنها تعمل بجدّية لمواجهة الصعوبات التي ورثتها من هذه القوى السياسية ذاتها.

 

وعندما بدأت الحكومة عملها قبل شهرين، تصدَّت لعدد من الملفات المثيرة للجدل، مالياً واقتصادياً وإدارياً وسياسياً، ولم يكن يتصدّى لها أحد كما يفعل اليوم. وعلى الأرجح، إنّ البعض يتذرّع ببعض العناوين لا للاعتراض عليها بل للضغط السياسي على الحكومة.

 

وربما وجد البعض، أنّ الظروف باتت سانحة، إما لإسقاط الحكومة التي وافق عليها اضطرارياً، وإما لفرض خياراته عليها وتحقيق المكاسب، فيما العالم منشغل عن لبنان، والساحة خالية للقوى الداخلية.

 

هذا المناخ يلاقيه سياسي معارض، إذ يقول: «الإرباك الذي فرضه انتشار الوباء عالمياً أضعف الاهتمام الدولي بالمسائل التقليدية، ومنها الشرق الأوسط ولبنان، ولكن ظرفياً، ولأشهر عدّة. وبعدها سيعود الاهتمام الدولي، ومعه استحقاقات مفصلية، أبرزها الانتخابات الرئاسية الأميركية التي قد تُجرى في الخريف، إذا تحسّنت الظروف وبائياً».

 

وإذ يتوقع الخبراء أن تكون خسائر «الكورونا» في الولايات المتحدة هي الأكثر إيلاماً، فليس مضموناً لـ»أعداء» الرئيس دونالد ترامب في العالم، ولا سيما منهم الصين وإيران، أن يراهنوا على أنّ هذه الضربة ستؤدي إلى إضعاف حظوظه في التجديد لولاية ثانية.

 

لذلك، هناك مصلحة إيران وبعض اللاعبين في الداخل اللبناني في أن يستفيدوا اليوم من الإنشغال الدولي ويمارسوا ضغطاً على حكومة دياب: في الحدّ الأقصى، لإسقاطها والإمساك بالقرار في شكل مباشر. وفي الحدّ الأدنى، لإضعاف الحكومة بحيث تكون «مطيعة» تماماً. وهذا ما يفعله حالياً أركان صفقة 2016.

 

وفي اعتقاد السياسي المعارض، أنّ هؤلاء يتوزَّعون، خلف متاريس عدّة، ويقوم كلٌّ منهم بإطلاق النار. فالرئيس سعد الحريري ينسِّق مع شركائه من تحت الطاولة للعودة لاحقاً إلى السراي «على حصان أبيض». فهو مطمئنٌّ إلى أنّ دياب لن يتمكن من بناء زعامة سنّية منافسة.

 

أما الرئيس ميشال عون فهو لا يوفِّر جهداً لضمان موقع قوي طوال العهد... وما بعده، فيما «الثنائي الشيعي» يتوزّع الأدوار: الرئيس نبيه برّي يضغط ملوّحاً بإسقاط الحكومة، فيما «حزب الله» «يلملم» المسألة ويطمئن دياب إلى أنّه باقٍ. وفي الحالين، يتمّ القطاف.

 

وغالباً ما اعتمد «الثنائي» لعبة «الشدّ» و»الرخي» وتوزيع الأدوار ضمن خطّ سياسي واحد: فعند انتخاب عون كان بري معارضاً و»الحزب» داعماً. وأما الموقف من مجيء الحريري إلى السراي فجاء معكوساً: بري يشجع و»الحزب» يتحفّظ.

 

وفي الانتخابات النيابية، على رغم التحالف المقفل، كانت مروحة بري أوسع في التعاطي مع القوى السياسية الأخرى، فيما «الحزب» أكثر تشدّداً. وكذلك، اختلفت مقاربة كل من القطبين الشيعيين للملفات الخلافية على طاولة مجلس الوزراء، إدارياً ومالياً واقتصادياً، لكنها كانت تلتقي في النهاية.

 

وهكذا، يمكن استنتاج أنّ بري ليس متحمّساً لإسقاط الحكومة في هذه اللحظة، بسبب التعيينات أو «الكابيتال كونترول» أو عودة المقيمين في الخارج. فهو يعرف أنّ المشكلة ليست في الحكومة تحديداً. وكذلك، «حزب الله» لا يكلِّف نفسه عبء الدفاع المستميت عن هذه الحكومة، «كرمى لعيونها» و»ظالمةً كانت أو مظلومة».

 

في الواقع، الطرفان يضغطان على حكومة دياب، بالسلب والإيجاب، وهما متمسّكان بها في المدى المنظور على الأقل، لأنّها ما زالت بلونها «الرمادي» تشكّل لهما صمام أمان نسبي في وجه الضغوط الدولية.

 

فقط، سيتمّ إسقاط الحكومة إذا وجد أركان صفقة 2016، ولا سيما منهم «حزب الله»، أنّ الضغط الدولي قد تلاشى، وأنّ الفرصة متاحة لاستعادة السيطرة المباشرة.

 

ولكن، هل هذا ممكن عملياً؟

الأرجح، أنّ حال الإفلاس ستبقي الجميع رهينة الدعم الدولي والخيارات الاضطرارية. فهذا الأمر كان قبل «الكورونا» وسيبقى بعدها.