إن تحدي الكورونا اليوم هو مسؤولية أخلاقية وإنسانية قبل أي شيء، وهذا التحدي يكشف مدى إنسانية السياسيين والمسؤولين والأحزاب من خلال مواكبتهم لما يجري، ولذا ينبغي أن ينجح اللبنانيون جميعهم في هذا التحدي لأن ما يحصل اليوم لا علاقة له بالسياسة ولا بالانتخابات ولا بالمؤامرات ولا بالمحاور.
 
الكورونا في لبنان يفرض إيقاعه على مختلف المستويات، ولا تزال التداعيات تتصاعد في مختلف المجالات أحد أبرز وجوهها التداعيات الإجتماعية الأمر الذي يشكل تحديا كبيرا ينذر بعواقب وخيمة ما لم تتم المبادرة إلى معالجته فورا.
 
وفي الوقت الذي ترتفع فيه صرخة المواطن اللبناني جراء الإجراءات الإحترازية المطلوبة (قرارات التعبئة العامة) وهي مطلوبة بالتأكيد، ولكن تداعيات هذه القرارات والاجراءات تتفاعل إجتماعيا بمؤشر سلبي نتيجة التشدد بإغلاق المؤسسات والشركات والمحال التجارية ووقف وسائل النقل وغيرها، الأمر الذي أضاف أزمة معيشية ضاغطة طالت الطبقات الفقيرة التي هي أصلا تعاني من الأزمة الإقتصادية منذ أمد بعيد.
 
لم تبادر الدولة إلى معالجة التداعيات الاجتماعية لكورونا بشكل شامل وفق خطة محددة بل كلفت البلديات ببعض الإجراءات التي بقيت دون الحد الأدنى حتى اليوم ولم تشمل كافة المواطنين لاعتبارات سياسية وحزبية.
 
وفي ظل هذه الأزمة الخانقة لا تزال البلديات الخاضعة للأحزاب تقوم بتوزيع المساعدات لاعتبارات حزبية، ولاعتبارات تخدم فقط توجهات أحزابها ومصالحهم في مشهد مروع وخطير لا ينم إلا عن المزيد من انعدام المسؤولية الوطنية والانسانية في هذه الأزمة التي تضرب البلاد.
 
يضغط الوضع المعيشي على المواطن اللبناني بشكل أكبر ويجري استغلال الازمة بشكل سافر فيتعرض هذا المواطن للمزيد من الإبتزاز والإذلال في لقمة عيشه فمع مشاهد المعاناة تحت وطأة الإستغلال الحزبي ذهبت بعض الجمعيات إلى أساليب لا تقل وقاحة من خلال تصوير الناس وإذلالهم أمام عدسات الكاميرا خلال استلام المساعدات والتي هي بالاصل مساعدات لا تلبي الحد الأدنى من مستلزمات الصمود.
 
شعارات أخرى أطلقت كـ " المقاومة الإجتماعية" بقيت أيضا دون المستوى المطلوب، وكانت حكرا على التابعين والمؤيدين في بعض المناطق الأمر الذي أثار سخطا واسعا ونقمة شعبية عارمة في بعض المناطق وسط حالة من الغليان تنذر بعواقب وخيمة فيما لم تتم المبادرة إلى معالجتها فورا.
 
أمام هذه الأزمة التي تعصف بالمجتمع اللبناني اليوم بكل ألوانه وأطيافه  جراء "كورونا" ثمة مسؤولية وطنية وأخلاقية وإنسانية يجب أن تحكم بعيدا عن الاستغلال الرخيض لآلام الناس ومعاناتهم، وبعيدا عن لغة الاقتصاص من أي معارض أو متخلف عن ركب الأحزاب وتطلعاتها.
 
المجتمع كله مسؤولية، والمواطن اللبناني بهويته الوطنية مسؤولية، فلا مكان اليوم لأي استغلال لأن الأزمة الحالية أكبر بكثير من السياسية والإنتماءات والطوائف والاحزاب.
 
لدى البعض ما يكفيهم من مؤن في قصورهم لكن الشريحة الكبرى من هذا الشعب لا تملك قوت يومها وهي حاضرة أن تفعل أي شيء في سبيل لقمة عيشها وفي سبيل حياة كريمة، وإن إجراءات التعبئة العامة يجب أن تتضمن الوقوف السريع على معالجة حالات العاطلين عن العمل أو أن يتم استثناؤهم من هذه الإجراءات لتأمين قوتهم ولقمة عيشهم.
 
إن تحدي الكورونا اليوم هو مسؤولية أخلاقية وإنسانية قبل أي شيء، وهذا التحدي يكشف مدى إنسانية السياسيين والمسؤولين والأحزاب من خلال مواكبتهم لما يجري، ولذا ينبغي أن ينجح اللبنانيون جميعهم في هذا التحدي لأن ما يحصل اليوم لا علاقة له بالسياسة ولا بالانتخابات ولا بالمؤامرات ولا بالمحاور.