لا أحد يعرف من أين أتى فيروس كورونا (كوفيد-19) حقيقة: هل هو من مختبر أبحاث فيروسية في ووهان أم من خفاش؟ ولا أحد يعرف كيف يوقفه: هل بالحجر الصحي أم بالفحص أم بالكلوروكين؟ ولا أحد يعرف كذلك متى سينتهي؛ إلا أن شيئا واحدا يبدو مؤكدا ويتفق عليه الجميع، وهو أن لا شيء سيكون كما كان من قبل.
 
من هذه المسلمة، انطلقت صحيفة لوتان السويسرية في مقال بقلم ماري هيلين مياوتون، قالت فيه إن نهاية هذا الفيروس -الذي انطلق من آسيا وانتقل إلى الشرق الأوسط ثم إلى أوروبا فالولايات المتحدة وأميركا اللاتينية و"الحبل على الجرار"- لم تلح بعد في الأفق، وإن كان كثيرون يرون أن تلك النهاية ستكون علامة فارقة قد تقلب الأمور رأسا على عقب.
 
وتقول الكاتبة إن دعاة حماية البيئة مثلا مستبشرون وكأن حرية التحرك والسفر الجنونية التي كانت سائدة انتهت بشكل قاطع، ويتنبأ المناهضون للرأسمالية بأن هذا النظام البغيض قد ولى إلى غير رجعة،  في حين يرى الحمائيون أن الحدود سوف تُستعاد بشكل دائم، ويعتقد محبو أوروبا أن الاتحاد سوف يخرج معززا من هذه الأزمة، في حين يرى مناهضوه أنه سينفجر.
 
عودة الأمور إلى طبيعتها
واعتبرت الكاتبة أن هذا خطأ وقاتل، وبدلا من التنبؤ بأن الآمال ستتحقق من تلقاء نفسها، قد يكون من الأفضل الاستعداد لتصحيح واقع يبدو صعبا على المدى القصير والمتوسط، لأن من الممكن -بل من الراجح- أن العودة إلى الوضع الطبيعي ستصاحبها بعض التعديلات، ولكنها ليست تغييرات عميقة.
 
ومما لا شك فيه أن الشركات ستسعى إلى ضمان توفير إمداداتها بشكل أفضل، وأن الأنظمة الصحية ستعيد تنظيم نفسها بشكل مفيد، كما أن من المؤكد أن الدول ستفكر في تأمين استقلالها فيما يتعلق بالمنتجات الإستراتيجية؛ ولكن هذا كله لا يعني تغييرا في النموذج الاقتصادي أو الاجتماعي.
 
وعلاوة على ذلك، نبهت الكاتبة إلى أن العالم لم يتغير على الإطلاق بعد الأوبئة الكبيرة السابقة، بل إن الجميع عالجوا جراحهم وانتهى الأمر بامتصاص الصدمة واستمر كل شيء كما كان في السابق.
 
وكدليل على ذلك، ساقت الكاتبة مثال أزمة عام 2008 التي هزّت العالم بعواقبها المالية والاجتماعية، مشيرة إلى أن كل شيء عاد إلى طبيعته المعتادة، وإن كانت البنوك تمت رسملتها بشكل أفضل مما كانت عليه في السابق وأصبحت حذرة وتعرف كل شيء عن عملائها، ولكن النظام المالي العالمي في الواقع لم يتغير جذريا، بل صار أكثر تركيزا وأكثر أمانا، ولا شك أننا اعتدنا عليه.
 
ليس بهذا السوء
وفي هذا السياق، تلاحظ الكاتبة أن الدول فرضت على البنوك الكبرى اختبارات الضغط، لتقييم قدرتها على استيعاب صدمة كبيرة، ولكنها لسوء الحظ لم يخطر ببالها أن تخضع نفسها لنفس الاختبار، لأنها لو فعلت ذلك لما كانت الأمور على ما هي عليه اليوم.
 
وقد كان حريا بالمستشفيات العامة أن تخضع لمعرفة مدى استعدادها لمواجهة وباء مثل الذي نشهده، ولكن من الأسهل دائما أن تفرض على الآخرين ما لا ترغب في أن تطبقه على نفسك، بحسب الكاتبة.
 
وتختم الكاتبة بأن الأمور مثلا في سويسرا ليست بذاك السوء حتى الآن، ولكن بعض جيرانها لديهم صعوبات، ومواردهم المالية العامة تحتاج إلى إعادة رسملة، لأن الدول تعد باستمرار بتقديم المليارات لدعم الاقتصاد ولكنها في نفس الوقت غارقة في الديون.
 
وخلصت الكاتبة إلى أن سويسرا على الأقل لديها ميزة على جيرانها، وهي أن المليارات التي تعهدت بها موجودة لديها، مما يسمح لها بأن تقوم بعمل أفضل بعد الأزمة.