سيُقال إن العرب كانوا أسوأ الكائنات البشرية في الدفاع عن الحق في الحياة. ذلك حقيقي. فعاصفة كورونا لم تجمعهم. غاب عقلاؤهم أو غيّبوا.
 

سيكون التاريخ حائرا في تفسير موقف العرب من الأزمة الكونية التي واجهتها البشرية في ظل اجتياح فايروس كورونا الكرة الأرضية.

فالدول كلها، من غير استثناء، وقفت صفا واحدا في جبهة واحدة من أجل أن لا يتمكن ذلك الكائن الخفي من هزيمتها. التحم العلم والاقتصاد والفكر في تركيبة هي أشبه بالدواء لا لرفع المعنويات المنهارة فحسب، بل وأيضا للدفاع عن الوجود البشري باعتباره إنجازا حضاريا.

البشرية وهي تحارب ذلك الفايروس لا تدافع عن مادتها التي هي الناس وحدهم، بل وأيضا عن القيم الإنسانية التي ناضلوا من أجلها. إن أرضا يبابا تخيلها الفايروس وهو كائن ميت لا يمكن أن تُطوى إلا من خلال طريقة صارمة في قراءة ما توصل إليه البشر عبر مراحل الاحتكام إلى العقل من حقائق. لا يمكن للخرافة أن تقاوم عاصفة الفايروس الصامت.

وإذا كان العرب في واحدة من أهم محاولات فهمهم لما يحدث من حولهم ولما صار يفتك بهم قد ابتهجوا بوقوع جدل سياسي يندرج في إطار نظرية المؤامرة، فإن كل ما اقترحوه للوصول إلى بر الأمان لم يكن سوى طلاسم وأحجيات وألغاز وحكايات لا ترقى إلى مستوى الإنسان العاقل الذي أنتج حكمته من خلال التجربة الحية.

هناك دول عربية قليلة تفاعلت مع المحنة الكونية وعالجت الأزمة بطريقة جادة، لم تخترقها فكاهة الخرافة. غير أن المشهد العربي لم يكن مؤهلا للارتقاء إلى ذلك المستوى.

لقد استثنى بعض العرب أنفسهم من الحرب العالمية على كورونا حين قرروا الاستمرار في حروبهم الداخلية التي هي في جزء عظيم منها إنما تستمد طاقتها من الخرافة الإيرانية التي صارت مثار غضب المجتمع الدولي.

هناك حرب الحوثيين في اليمن وهناك حرب الحشد الشعبي في العراق وهناك الحرب السورية وهناك حزب الله في لبنان وهو يفتي بما هو مسموح به أو ممنوع، إضافة إلى أن ليبيا التي غصت بالمرتزقة. حروب لم يوقفها كورونا بالرغم من أنه اخترق جبهاتها وصار يعصف بها من غير أن تكون هناك مرجعية لتقدم إحصائيات حقيقية.

لقد صار واضحا أن هجوما شرسا مثل كورونا لا يمكن التصدي له إلا من خلال وجود دول قوية بمؤسسات متينة وأنظمة صحية متطورة. ذلك ما جعل إيران تتقهقر وهي التي تصدت لكورونا باعتباره عدوا خارجيا بالحرس الثوري لتقهره. وكان شعار “قمع كورونا” قد جعل من الوباء عدوا داخليا.

كانت هناك نصيحة حية وجهتها غير جهة عالمية إلى العالم العربي “أوقفوا حروبكم والتفتوا إلى العدو الذي سيحصد أرواحكم من غير أن يميز بين فريق وآخر”. ولكن تلك النصيحة لم تجد لها آذانا صاغية. ذلك لأن ثقافة الموت وهي ثقافة إيرانية قد تمكنت من الجميع. وهو ما يعني أن الجبهات التي ستشهد موتا جماعيا بسبب كورونا لن يهدأ صخبها فهي محطات للموت وليس هناك من هامش للدفاع عن الحياة.

سيُقال إن العرب كانوا أسوأ الكائنات البشرية في الدفاع عن الحق في الحياة. ذلك حقيقي. فعاصفة كورونا لم تجمعهم. غاب عقلاؤهم أو غيّبوا. لقد تُرك الأمر للجهلة والأميين ومزوّري العقيدة والمحتالين لكي تكتمل الصورة.

كانت محنة كورونا فرصة للكشف عن حقيقة العالم العربي باعتباره مسرحا للمحتالين الذين لا يقيموا اعتبارا لقيمة الحياة البشرية. ففي خضم الدعوة العالمية إلى البقاء في البيت واتخاذ إجراءات الوقاية دعا مقتدى الصدر وهو رجل دين عراقي أتباعه للتوجه جماعات إلى ممارسة الطقوس الدينية. ذلك مجرم يتخذ من الدين عباءة لجريمته.

وبالرغم من عظمة الإجراءات التي اتخذتها دول عربية قليلة من أجل الحد من انتشار الوباء فإن التاريخ سينظر إلى العرب باعتبارهم دعاة لنهاية البشرية.