يخيّم على شوارع وأسواق العاصمة اللبنانية هدوء تام لم تعهده بيروت حتى في أكثر جولات الحرب الأهلية دموية (1975-1990)، أو خلال حصارها من الاحتلال الإسرائيلي صيف العام 1982.  
 
لم يشهد سكان بيروت وقفًا لكل أعمالهم وتفاصيل يومياتهم، كما هي حالهم اليوم مع التعبئة العامة التي فرضتها الحكومة لمواجهة وباء فيروس كورونا، حيث تخطى عدد المصابين بهذا الفيروس عتبة 333 حالة مع تسجيل خمس وفيات وشفاء 8 حالات، مما رفع من قلق المواطنين وتعطل أشغالهم. 
 
صمت مطبق
يقول سيمون عبود، القاطن في شارع الحمرا، أحد أبرز وأشهر شوارع بيروت الاقتصادية والتجارية،
إن "المدينة في صمت مطبق لم أعشه من قبل"، ويضيف للجزيرة نت أن "فيروس كورونا أدخلنا في قلق على صحتنا، وقد جاء في توقيت سيئ للبنان الذي يعاني من انهيار مالي واقتصادي".
 
ويوضح أن الأحوال الجديدة التي تمر بها البلاد ستفاقم من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في ظل حكومة شبه عاجزة عن مواجهة الفيروس المستجد والأزمة المالية وارتفاع نسب البطالة والفقر في البلاد.  
 
ويتابع عبود أن مؤسسات شارع الحمرا التجارية كانت تعاني من تراجع في حركة البيع والشراء، وجاء فيروس كورونا ليزيد الطين بلة، وقد يؤدي إلى إغلاق مؤسسات جديدة بعد أن شهدت الأشهر الماضية إقفال عشرات المؤسسات والمحال التجارية.
 
عجز السلطة
تراكم الأزمات التي تلقي بثقلها على اللبنانيين، تقف حيالها السلطات شبه عاجزة عن تلبية بعض الخدمات ومساعدة الأسر الأكثر فقرا، وفي وقت تدرس الحكومة تقديم مساعدات غذائية واجتماعية لهذه الأسر وتخصيص مبالغ مالية لتغطية نفقات هذه المساعدات، سبقتها جمعيات أهلية واتحادات إغاثية.
 
فقد أقدمت هذه الجمعيات على تنظيم حملات تبرع وتقديم يد العون بمساعدات نقدية أو عينية للمحتاجين، أو للذين تضرروا من التعبئة العامة، وخصوصا الذين يعملون بالأجرة اليومية كسائقي سيارات الأجرة الذين يمنع عليهم نقل أكثر من راكب واحد في سياراتهم وإلا عوقب بغرامة مالية.
 
وأدى هذا الأمر إلى إقدام سائق سيارة أجرة على إضرام النار بسيارته في بيروت بعد تغريمه من قبل شرطة السير لمخالفته الإجراءات المتبعة لمواجهة كورونا.  
 
كما منعت الشرطة بائعي الخضر والفواكه المتجولين على عرباتهم من ممارسة أعمالهم، إضافة إلى إقفال كافة المطاعم والمؤسسات السياحية والمقاهي والملاهي الليلة، مما رفع من نسب البطالة في البلاد خصوصا وأن غالبية العاملين في هذه المؤسسات يعملون بالأجرة اليومية أو برواتب متدنية، ولن يتقاضوا بدل تعطيلهم القسري، كما يقول عبود. 
 
 
وباء اقتصادي
يقول الباحث الاقتصادي زياد ناصر الدين للجزيرة نت إن أزمة وباء كورونا ستضاف إلى مجموعة الأزمات المالية والاقتصادية والتجارية والاجتماعية التي يعاني منها لبنان، موضحا أن من تداعيات كورونا الأولية تراجع الناتج المحلي بما لا يقل عن 40%، وهو قابل لزيادة التراجع. 
 
كما أنه سيسجل ما نسبته 60% تراجعا في الاستيراد، ويقول ناصر الدين إنه من المبكر بشكل عام الكلام عن تداعيات وباء كورونا على الاقتصاد الوطني اللبناني، "فالأزمة المالية سبقت تفشي هذا الوباء، وبالتالي فإنها ستتفاقم وترفع من نسب المديونية العامة للبلاد". 
 
 ويرى الباحث ناصر الدين أن أمام لبنان فرصة للاستفادة من موارده البشرية بعد النكبة الاقتصادية والمالية التي أصابت الاقتصاد العالمي جراء كورونا، وهذا ما يشجع على اغتنام الفرصة والاعتماد على الإنتاج الوطني وتشجيع الصناعات الوطنية بدل الاستيراد من الخارج الذي تبلغ قيمته 20 مليار دولار سنويا. 
 
ويضيف أن على الحكومة استغلال الركود الاقتصادي العالمي، والإسراع في تأسيس ووضع سياسة اقتصادية وطنية شاملة، وأن لا تتحكم المصارف في سياسة الدولة الاقتصادية.