وتظلّ «الكورونا» هي الموضوع الذي يفرض نفسه بعنفٍ على الكاتب الصحافي، وأيُّ موضوع آخر يكون خارجاً على الموضوع.

 

ويتكرّر السؤال حول هذه الآفـةِ الكونية: هل هي ظاهرةٌ بيـئيِّةٌ، أو بيولوجية تفجَّـرت بها غريزةُ الأرض...؟ أو هي رسالةُ غضبٍ هبطَتْ على الأرض بالبريد السماوي من فوق...؟

 

منْ رسائل الغضب المشابهة في زمـنٍ مماثل: تلك التي ترويها التوراة عن «سدوم» المدينة الكنعانية «وعمورة»، وقد أنـزلَ الله عليهما سيلاً من النار والكبريت لكثرةِ ما ساد فيهما من فسادٍ وانحلالٍ أخلاقي.

 

ولعلّ هذه المخلوقة العجائبية التي وُلـدَتْ في الصين، تكشفُ لنا واحدةً من رسائل الغضب، وقد كان الصينيّون يؤمنون بأنّ الأمبراطور هو إبـن السماء، فإذا ازدهرت الأرضُ بالمواسم كانت السماء راضيةً عن إبنها، إذا حـلَّت في الأرض الكوارث تكون السماء قد خلعتْ ثقتها بإبنها فينزع الشعبُ ثقتـه منه.

 

ويبدو أنَّ السماء غاضبةٌ جداً على كـلِّ أبنائها، أباطرةَ كانوا أو شعوباً، كلّـهم متورِّطون بالمـآثم، الحاكمُ حاكمٌ ظالم، والشعب ينتخب الحاكم، الإثنان مشتركان في الجريمة، ولأنّ الجريمة تستوجب العقاب، فقد عوقبَ العالـمُ كلُّـه بالسجن، السجن وراء القضبان، والسجن وراء الأبواب.

 

هذه الآفـة الكونية، لا يتساوى فيها الخطر الكارثي، بين الدول الغنـيّة والكبيرة والدول الفقيرة والصغيرة، وما هـمَّ الصين مثلاً، إذا ما انهار بعضُ اقتصادها، وقضى نصفُ شعبها فقد تنهض بـمن تبقّى، هو الزعيم الصيني: «ماوتسي تونـغ» يـردّ على الذين هـدّدوا الصين بحربٍ نووية فيقول: «لابأس في بعض الحالات أن يموت نصف الشعب ليحيا النصف الآخر».

 

وفي لبنان مثلاً: الإقتصاد منهارٌ، وإذا تراكم عليه انهيارٌ فوق انهيار فقد تطلب نفسه الرحمة، وإذا مات مَـنْ تبقّـى مِـنْ نصف لبنان، فقد يصبح شعب لبنان أولئك الذين يسمّونهم نازحين.

 

هذه الكوارث المتفاقمة التي تجتاح الأرض جـوراً وطغياناً وبـحورَ دماء، عمَّـمها أصحابُ الأرواح الشريرة الذين مات الله في ذواتهم المدنّسة، وبات الخلاص منها ومنهم يحتاج إلى أعجوبة.

 

الأعجوبة لا تـتمّ إلاّ بالإيمان، والسماء لا تسمع تضرّعاتٍ غُـبَّ الطلب، ما دام بعضُ المعابد والهياكل قد تحوّل بفعل فجـورِ التكنولوجيا إلى متاحف تشهد جريمة اغتيال الحضارات.

 

الذين انفصلوا عن السماء وأعلنوا مـوت الله (نيـتشه – كارل ماركس – فويرباخ – سارتر) لم يجدوا تفسيراً عقلياً مقنعاً لأحداثٍ تفوق طاقة الإنسان، ومنهم من اعتبـر أن الإنسان هو إلـه الإنسان.

 

ومن الراجح حسب المفاهيم النفسية أنَّ الإنسان أكثر ما يتذكـرّ الله ويلجأ إليه عندما تحـلّ عليه الكوارث وأشباح المرض والموت.

 

حتى الملحدون عند استحقاق الموت يلجأ بعضهم إلى الله بالواسطة، وقد ذُكِـرَ: أنّ لينـين زعيم الثورة السوفياتية عندما أصبح في حالة احتضار، تـمَّ استدعاءُ بعض المسيحيـين وقيل لهم: صلّوا لربِّكم من أجله.

 

نعم: صلّوا لربِّكم، وصلّـوا من أجل الذين لا يصلّون، إنَّ لكم في الصلاة حياة، فإنْ لم تـنتقلوا إلى رحاب الفردوس ، فقد تـتقمَّصون في الصين.