لم يكن ينقص لبنان الذي يُعانِدُ السقوطَ «في فم» المرحلة الرابعة «الأكثر وحشية» في انتشار فيروس كورونا المستجد، سوى إطلالة فيروس الصراع السياسي برأسه، وهذه المَرّة بين رعاة «حكومة اللون الواحد»، بما يُخشى أن يجعل المرحلةَ المقبلة المُشَرَّعة على مَخاطر صحية ومالية ما فوق عادية تُدار بوهج التجاذبات الباهظة الكلفة في لحظةٍ مصيرية تعيشها البلاد.
فبعد 44 يوماً من نيْل حكومة الرئيس حسان دياب ثقةَ البرلمان وإمساكها بـ«كرة الإفلاس» المالي الذي أُعلنتْه عملياً ولو تحت مسمى وقف دفْع جميع سندات «اليوروبوندز» بكل إصداراتها الـ29 بمختلف آجالها (حتى 2037)، وبينما كانت تحاول تجنيبَ لبنان ما أمكن من «عصْف» كورونا الذي يجتاح العالم، لاحت أوّل مؤشراتِ انزلاقِها إلى حقل تَجاذُبٍ سياسي على خلفية ملفات التعيينات و«كابيتال كونترول» وحتى الاستراتيجية الأفضل لمحاربة «الوباء الخارق».
وبينما كان «كورونا» يرفع حصيلة إصاباته إلى 333، بزيادة 29 حالة عن الثلاثاء، ووفاة خامسة، وسط اتجاهٍ قد يتبلور اليوم لتمديد حال «التعبئة العامة» (تنتهي في 29 الجاري) لأسبوعيْن إضافييْن مع المضيّ بالأجواء والحدود المغلقة، عبّرت أوساطٌ واسعة الاطلاع عن قلق كبير من الإشارات غير المُطَمئنة التي يشكّلها تخبُّط الحكومة بإزاء ملفاتٍ استثنائية.
ورأت عبر «الراي» أن ثمة مسألتين تزامنتا وتُعتبران بمثابة «جرس إنذار» حيال ما يمكن أن ينتظر لبنان، وهما:
* تولّي الحكومة عبر وزارة المال، إعلان التخلّف عن سداد كل استحقاقات اليوروبوندز بعدما كانت بدأت بإصدار 9 مارس الجاري، وذلك من دون تفاهُم مع الدائنين ولا سيما الأجانب، وقبل اكتمال الخطة المالية - الاقتصادية التي يفترض أن ترفد المفاوضات، على البارد أو تحت ضغط المقاضاة للدولة اللبنانية، بعناصر طمأنة يغيب عنها حتى الساعة أيضاً صندوق النقد الدولي وبرنامجه الإنقاذي.
* انفجار الخلافات دفعة واحدة على ملفيْن: الأول «الكابيتول كونترول» الذي سحبه وزير المال غازي وزني (من حصة رئيس البرلمان نبيه بري) عن طاولة مجلس الوزراء على وقع «بطاقة حمراء» بوجهه من بري و«حزب الله» نتيجة تعديلات أُدخلت على صيغته الأصلية، بحيث بات بحسب المعترضين عليه يوفّر غطاءَ قانونياً لمخالفات المصارف وقيودها على المودعين من دون أن يؤدي إلى حماية هؤلاء.
والثاني تعيينات نواب حاكم مصرف لبنان الأربعة ولجنة الرقابة على المصارف، وسط شدّ حبال قويّ بفعل ارتسام ملامح تفاهمات حولها بين «التيار الوطني الحر» ودياب، وهو ما عبّر عنه ضمناً رئيس تيار «المردة» سليمان الذي أعلن أنه «يجري استغلال انتشار فيروس كورونا لتهريب التعيينات وإمرار الصفقات، لا نريد حصّة، ولكن نتمنى تأجيل الاستحقاق الخلافي وغير الضروري حالياً للوصول إلى تعيينات شفافة»، ملوّحاً بالخروج من الحكومة.
وفيما تَشابَك هذان العنوانان وسط معطياتٍ إلى أن تشدُّد بري على جبهة «الكابيتال كونترول» مرتبط بالتدافُع في ما خص التعيينات، لاحظتْ الأوساط نفسها أن حتى الدعوات المتصاعدة لإعلان حال الطوارئ الوطنية لمواجهة «كورونا» والتي تصدّرها بري و رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لم تبدُ بعيدة عن هذا المناخ الاستقطابي والتصويبيّ على فريق رئيس الجمهورية ميشال عون ودياب.
وكانت بارزة أمس زيارة دياب عشية جلسة مجلس الوزراء اليوم، لبري في محاولةٍ لتفكيك «الألغام» التي تبرز الخشية من أن تنعكس على مجمل واقع الحكومة كما على مسار معالجة المأزق المالي وتحديد خيارات ما بعد الإفلاس، ناهيك عن ضرورة توحيد الجهود للتصدي لـ«كورونا» الذي تتطاير مخاطره وإرباكاته في أكثر من اتجاه داخلي وحتى خارجي، مع تَصاعُد نداءات استغاثة من طلبة لبنانيين في الخارج غير قادرين على العودة إلى لبنان و«حاصرتْهم» القيود على التحويلات بالدولار قبل أن تتبلور أمس مؤشراتُ حلحلة حيال قضيتهم.