لا تخفي مراجع سياسية وأمنية حجم المفاجأة التي تسبّب بها مقتل انطوان الحايك في المية ومية، في اعتباره احد المعاونين لعامر الفاخوري، لعدم وجود اي سبب آخر يقود الى اغتياله. وهو امر عزّز الاقتناع بفقدان هيبة الدولة وفرض مراجعة شاملة للتعهدات والضمانات التي سمحت بإعادة المُبعدين والهاربين، بعدما أُقفلت ملفاتهم عبر القضاءين العسكري والعدلي. وعليه ما الذي يدفع الى هذه القراءة؟
 

بمعزلٍ عن مجموعة العناصر والظروف المكانية والزمانية التي احاطت بمقتل المعاون أول المتقاعد في قوى الأمن الداخلي انطوان الحايك داخل متجره في المية والمية شرق مدينة صيدا صباح الاحد الماضي، فإنّ من الصعب توفير اي سبب يؤدي الى هذه الجريمة، سوى انّه كان من بين المجموعة التي تعاونت مع الفاخوري في معتقل الخيام ابّان الاحتلال الاسرائيلي. فليس في سجل الرجل سوى مجموعة الأحكام التي صدرت بحقه مطلع الألفية الجديدة، بعد محاكمته امام المحكمة العسكرية بتهمة القاء قنبلة دخانية داخل إحدى زنزانات المعتقل ادّت الى اختناق إثنين من السجناء.

 

فالقتيل كان عنصراً في قوى الامن الداخلي، وأمضى سنوات الخدمة الفعلية قبل التقاعد مطمئناً الى مسيرة حياته الجديدة، قبل ان يُقتل في عملية وُصفت بأنّها ردّة فعل على إطلاق الفاخوري، بعد وقف التعقبات القانونية والقضائية بحقه بفعل مرور الزمن العشري على الجرائم المُرتكبة، ونقله الى الولايات المتحدة الأميركية. ولذلك، فإنّ الانطباعات الاولى للجريمة تمّ ربطها بتوجيه رسائل، منها ما هو واضح ومنها ما هو غامض، باعتراف مراجع امنية وقضائية وسياسية مطلعة على ظروف الجريمة والنتائج المترتبة عليها.

 

ففي الرسائل الواضحة - إن بقيت الجريمة في إطار بسيط ومسطّح - دون التعمّق بحثاً عن اسباب أخرى ربما وُجدت في مكان ما من جراء التحقيقات الجارية، انّها مجرد ردّة فعل انتقامية ارتكبها شخص او مجموعة، نتيجة ردّات الفعل الحامية، وحال الاحتقان التي تسببت بها المواقف التي تلت كل ما رافق إخراج الفاخوري من لبنان، قبل ان يرسم الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله سقوفاً محدّدة لها، ناصحاً بالمتابعة القانونية والقضائية في لبنان والخارج لملاحقة الفاخوري أينما بات موجوداً.

 

ويعتقد مراقبون، انّ ما حصل يؤدي الى كثير من القلق حول إمكان ان تتواصل مثل هذه الجرائم لتطاول آخرين ممن يعيشون الظروف عينها وفي اكثر من منطقة من لبنان، خصوصاً اذا اصرّ البعض على قراءته للجريمة على انّها طبيعية ويمكن تبريرها بدليل هزالة ردات الفعل التي اعقبتها. فبيانات الإدانة لم تتجاوز بعض المواقع السياسية والحزبية، ولم يتبيّن من التحقيقات التي باشرتها الأدلة الجنائية والمراجع المختصة اي معلومات عن منفذي الجريمة، على عكس الجرائم الأخرى التي كان يعقبها كشف عن منفذيها بسرعة قصوى. فالجريمة وقعت في وضح النهار، اياً كان السلاح المُستخدم، مسدساً مجهزاً كاتماً للصوت او اي سلاح آخر، في وقت صدرت فيه استنابة قضائية عن مدّعي عام الجنوب، وقد باشر الجميع بالتحقيقات.

ومن هذه الزاوية، عبّر اكثر من مرجع روحي وسياسي صيداوي وجنوبي عن القلق من محاكمات ميدانية قد تطاول اكثر من شخص يعيش الظروف عينها، بعدما أنجز تسوية اوضاعه قضائياً وأمنياً وعاد الى حياته الطبيعية في مكان ما من لبنان، فيما ينفّذ البعض الآخر حكم الإبعاد عن بلدته ومسقط رأسه لفترة معينة.

 

ويعتبر المراقبون، انّ كل ما تمّ التوصل اليه من اقتراحات قوانين لتسوية اوضاع الفارين واللاجئين الى اسرائيل او الى مناطق مختلفة في العالم وتأمين عودتهم مضافة الى التفاهمات المحلية والوطنية، وضعته هذه الجريمة على الرف.

 

ولا يغفل المراقبون أهمية ان يقوم "حزب الله" بخطوة ما لتصحيح الصورة التي عكستها الجريمة، وإن استبعد البعض ان يُصدرالحزب في هذه المرحلة بالذات من جريمة المية ومية، موقفاً يزيد من حال الحرج التي يعيشها عقب ردّات الفعل على ما آلت اليه قضية الفاخوري ومجموعة الاتهامات وموجة التشكيك التي طاولته سلباً.

 

وبعيداً من الظروف التي رافقت جريمة المية ومية، فإنّها بلا شك قد القت الضوء على ضعف هيبة الدولة في مناطق معينة من لبنان، ما لم تُظهِر نتائج التحقيقات جديداً يطمئن المعنيين وعائلة القتيل، في وقت يقتضي ان يعبّر "حزب الله" عن موقفه منها، ولو في شكل غير علني، لئلا تنتقل موجة التشكيك التي طاولته في "ملف الفاخوري" الى "ملف الحايك"، وهو امر يهدّد السلم الاهلي في اكثر من منطقة لبنانية، ولا يخدم صورة الحزب التي أظهرتها إطلالة امينه العام الأخيرة.