"سننزلق نحو المجهول، احموا أنفسكم وأولادكم ومجتمعكم. الوضع مخيف، ولو أكلنا لقمة زيتون" هذه الرسالة وجّهها وزير الداخلية محمد فهمي لدى إعلانه الخطّة التنفيذية لإلزام المواطنين الحجر المنزلي، من أجل احتواء فيروس كورونا. جيد معالي الوزير نرفع القبعة لخطتكم التي أنتجت إلتزامًا تامًا وضروريًا لوقف انتشار الوباء، ونقدّر لكم حرصكم على صحة اللبنانيين، ولكن ماذا عن فيروس الجوع الذي اجتاح منازل الفقراء وبات يهدّد أطفالهم؟ ألا يشكّل خطرًا على صحّتهم؟

 

لقمة الزيتون هذه يا معالي الوزير، هل سيتناولها فقراء لبنان على مدى أسبوعين أو ربما أكثر؟ وطبعًا السؤال ليس موجّها للوزير فهمي بل للحكومة مجتمعة. ثم من قال لكم إنّ هؤلاء قادرون على تأمين حتّى كسرة الخبز والزيتونة؟ هل تصفون للأطفال والرضع الخبز والزيتون أيضًا؟ فقراء لبنان يشكون همّهم للإعلاميين، عندما يقولون أمام خطر الجوع لن نأبه لخطر كورونا، كيف سنجيبهم؟ ماذا فعلتم لمنحهم مقومات الصمود في المنازل، وهنا لا أتحدث عن الميسورين، على قلّتهم، المتذمّرين من عدم قدرتهم على تمضية الوقت بالتسلية والأسفار و"الشوبنغ"، بل أتحدث عن فقراء القوم من اللبنانيين من الذين تجاوزت أعدادهم الآلاف المؤلّفة وربما الملايين، هؤلاء من أصحاب المهن الحرّة يعتمدون على عملهم اليومي، ليتمكّنوا في نهاية يومهم من تأمين الغذاء لعائلاتهم، لقد نفّذوا تعليماتكم، وها هم في المنازل محتجزون، ليواجهوا وإياكم وباء كورونا، وهم يسألونكم كيف سيأكلون هم وأطفالهم وقد أضحوا بلا عمل وبلا مال؟ فيما أسعار المواد الغذائية تسجّل أرقاما قياسية وأنتم عنها غافلون، ماذا أنتم فاعلون أيّها المنظّرون من عاشقي الشاشات والإطلالات والتغريدات، هل ستؤمّنون لهم قوتهم اليومي؟ أم أنّ مبادرتكم العظيمة في زيادة حصتهم من الإنترنت ستملأ أمعاءهم الخاوية؟ وهل الحاجة والعوز ينتظران تنفيذ ما أعلنه وزير الشؤون الإجتماعية رمزي مشرفية عن نوايا لتوزيع المساعدات الإجتماعية على المحتاجين وفق قاعدة "سوف نفعل"؟ ولماذا لم تفعلوا بالتزامن مع إعلانكم التعبئة العامة؟ خصوصًا أنّ دفاتر وزارة الشؤون الإجتماعية تتضمن قائمة بيانات حول الأسر الأكثر فقرًا، والتي اتسعت رقعتها بسبب إقفال أعدادٍ كبيرة من المؤسسات بشكل نهائي، وتسريح الآف العاملين.

 

لا يختلف عاقلان على أنّ الطريقة الوحيدة التي أثبت جدواها في احتواء انتشار كورونا تكمن في عدم اختلاط الناس ببعضهم البعض، هذا ما أثبتته ولاية ووهان الصينية، بؤرة الوباء، التي تمكّنت وحدها من بين دول العالم من القضاء على الوباء من خلال الحجر المنزلي والقدرات الطبية، وهذا ما أثبته السيناريو الإيطالي الكارثي الذي تجاهل هذه المقاربة في الأسابيع الأولى، وها هو الشعب الإيطالي يدفع أثمانًا باهضة، والمشاهد المأسوية من هناك للجثت والمصابين أبرز دليل. في لبنان أيضًا لن يوقف اجتياح كورونا سوى الحجر المنزلي، خصوصًا أنّ المصابين قبل معرفتهم بأصابتهم ينشرون العدوى للمئات من حولهم من حيث لا يدرون، وهذا ما يحصل فعلًا. ولكن هل وصلت إلى مسامعكم الأرقام التي رصدتها دول العالم لمساعدة مواطنيها والمقيمين على أرضها للبقاء في بيوتهم؟ وما هي الحوافز والإعفاءات الضريبة التي قدّمتها لهم؟ لن نقارنكم برؤساء ومسؤولي البلدان التي تحترم الإنسان، والتي جنّدت كلّ قدراتها لمساعدة مواطنيها ماديًا ومعنويًا، ولن نطلب تقديمات مماثلة في زمن الأزمات المالية، فقط إحموا الأمن الغذائي، إلتفتوا إلى فقراء القوم وأمّنوا لهم قوتهم اليومي ودواءهم. وهؤلاء لائحة تبدأ وقد لا تنتهي من أصحاب المهن الحرة، ومن العاملين الذين أضحوا بلا عمل بسبب إقفال المؤسسات.

أيّها المسؤولون، يا أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة، إهلعوا، الحجر المنزلي من دون ارفاقه بخطة طوارىء إجتماعية عاجلة، سينتج ثورة جياع، وفيروس الجوع أقوى فتكًا وأسرع انتشارًا من كورونا.

نوال الاشقر