عرف أمين عام حزب الله، السيد حسن نصر الله، كيف ينتهز فرصة حديثه عن إطلاق العميل عامر الفاخوري، ليقدّم مطالعة جديدة حول مزايا حزبه، وطرحها أمام جمهوره، موجهاً بعض الانتقادات لحلفاء وأصدقاء الحزب، الذين لم يتورعوا عن النقد اللاذع لأدائه بسبب تحالفاته ذاتها. إنها الفرصة لانتزاع الشرعية مجدداً بمواجهة أي منتقد من الحلفاء أو الخصوم. قدّم نصر الله نفسه الحريص على مصلحة لبنان. وهو الذي يحددها. لكنه في المقابل، خرج نافياً علمه بكل تفاصيل إطلاق فاخوري! معتبراً أن لا علم لحزب الله بما جرى وقد سمع الخبر من وسائل الإعلام(!)
 
مطلب 7 أيار جديد
ركز باللعب على عامل الثقة، تلك الصلة الوثيقة التي تربط حزبه بجمهوره. مجدداً التذكير باللعبة التي تستخدم دائماً في استهداف جمهور الحزب وبيئته بعمليات الضخ الإعلامي. ولذلك انتقد حلفاءه المزايدين بقسوة، وطالب جمهوره بإخراجهم من دائرة صداقتهم، لأن قضية المقاومة ترتكز على الثقة قبل أي عامل آخر. وتوجه إلى الحلفاء بأن هناك قرارات كثيرة تتخذ في لبنان ولا يكون للحزب دراية بها.
 
انتهز الفرصة ليقول مجدداً إنه هو من يقرر مصلحة لبنان، لا سيما عندما اختار الرد على مغردين متحمسين، وجهوا الدعوات إلى حزب الله بتنفيذ 7 أيار جديد، أو الهجوم على السفارة. فارتأى أنه هو الذي يقدر مصلحة لبنان هنا، والتي لا تستوجب هذا الهجوم، بينما هو يقرر أيضاً مصلحة لبنان بالدخول إلى سوريا والقتال فيها، أو بنزول جمهوره وبيئته إلى لجم المتظاهرات والمتظاهرين والإعتداء عليهم على جسر الرينغ وفي غيره. أو في مسألة المعابر غير الشرعية مقابل "معبر السفارة الأميركية" غير الشرعي..
 
اتهامات وتخوين
المنطق الذي استخدمه نصر الله، وبرر فيه جهله وعدم معرفته بما جرى، قابل للإستخدام في محطات لاحقة، بأنه قد تحدث خطوات مماثلة مستقبلاً، وسيخرج ليعلن أنه لم يكن يعلم بذلك والحكومة ليست حكومة حزب الله، والحزب ليس هو الحاكم بأمره في السياسة. وسيكون مدعماً أيضاً بمواقف تشبه التهديد أو التوجيه بقسوة إلى الحلفاء الذين تجرؤوا على الإنتقاد.
 
هذا كله، بينما كان في الوقت نفسه يوجه فيه الاتهامات إلى حلفائه بتخوين المقاومة راسماً لهم حدين لا يمكن تجاوزهما. أولاً، تخوين المقاومة و"التي هي أشرف وأعرق المقاومات بالتاريخ الحديث". والثاني، عدم تخوين جمهور وبيئة المقاومةز لكنه لم يأت على ذكر باسيل وجريصاتي وعلاقتهما بهذا الأمر، فكانا الغائبين الأبرزين عن خطابه، ولم يمر عليهما إلا بشكل بسيط عندما أشار إلى أن هناك أفرقاء ناقشوا معه هذا الأمر، وأبلغهم موقفه الحاسم بالرفض.مع العلم أن كل الانتقادات تركزت على دورهما في العمل على إخراج فاخوري. وقد اجريت بهم اتصالات كثيرة، وعقدوا لقاءات أكثر مع المسؤولين الأميركيين للعمل على إيجاد مخرج لقضية فاخوري. وطبعاً تعرضوا لضغوط وتهديدات بفرض عقوبات عليهم. هنا يدفع باسيل ثمناً شعبياً، بإظهاره في واجهة متحملي مسؤولية اطلاق سراحه، لكنه سيقبض مقابلها أثماناً سياسية، هي التي يسعى إلى تحقيقها مهما كان الأمر، من مواقف متضاربة تهدف إلى تقديم اوراق الاعتماد إلى القوى المتضاربة (أميركا وحزب الله).
 
دور إيراني
لبنان ليس تحت سيطرة حزب الله، ولا سيطرة الأميركيين. طرح نصر الله هذه المعادلة، موجهاً اللبنانيين وأنظارهم إلى التدخل الأميركي بالشؤون اللبنانية وخرق السيادة. وهذه التي يجب عليها أن يرتكز الحزب -ومن خلفه مناصروه- لمواجهة التدخلات الأميركية والثبات على موقفه في مقابل انتقاد الخصوم.
ولكن في المقابل، لا يجب النظر إلى ما حصل في قضية فاخوري بأنها خطأ، أو عبرت سهواً. انها مدروسة ومنظمة. العقل الايراني لا يقبل لأي طرف أن يبيع أي ورقة للأميركيين من دونه. خصوصاً هذا النوع من الأوراق التي تستثمر بها إيران استراتيجياً، ولا سيما أن هناك صفقة إطلاق سراح لمواطنين أميركيين في إيران.
 
وغالباً ما تكون هكذا مواقف، مؤشرات على رغبة بالتقارب مع أميركا. ولا يمكن للحزب أن يكون هامشياً فيها. حتى لو لم يظهر أي ثمن مقابل لهذه الخطوة، فإن ذلك سيتبين فيما بعد، او على طريق إظهار حسن السلوك. ففي نهاية المطاف، إيران تريد واشنطن لا موسكو. ولا بد من تقديم الأوراق بشكل تكون طهران قابلة للتفاعل الإيجابي مع الأميركيين. قد تكون الرسالة من لبنان، وهي عبارة عن تقديم هدية لا يستهان بها، تدفع ترامب الى شكر الحكومة اللبنانية. ويقال من خلالها للأميركيين إن البحث دائم عن سبل للتنسيق وفتح قنوات لمراحل آتية.