تجد المنظمات الإنسانية العاملة في مناطق النزاعات صعوبة كبيرة في معالجة الأمراض المعتادة، لكن الأمور ازدادت تعقيدا مع فايروس كورونا ومع استمرار المعارك بين الفرقاء العسكريين والسياسيين في بلدان مثل اليمن وليبيا وسوريا وأفغانستان، وهو ما يشتت جهودها وتصبح عاجزة عن توفير المستلزمات الطبية الضرورية، ولمن ستكون الأولوية؛ توفير سرير لمصاب بكورونا أم لمقاتل جريح.
 
وإلى الآن تحول الحسابات السياسية دون إيقاف الحرب، ولو بشكل مؤقت، في تلك المناطق من أجل توظيف الحد الأدنى من الإمكانيات لمواجهة كورونا القاتل مثلما تكشف عن ذلك الأرقام القادمة من إيران وإيطاليا وفرنسا.
 
ودمّرت الحروب والصراعات الطويلة التي شهدتها هذه الدول الدفاعات المحتملة ضد تفشي الفايروسات، مما ترك الملايين عرضة للخطر. وانهارت أنظمة الرعاية الصحية بعد أن استهدفت الحرب البنية التحتية الرئيسية.
 
وحتى الآن، ما تزال أرقام المصابين في اليمن وليبيا وسوريا وغزة غير واضحة. لكن، يعتقد الأطباء أن الفايروس موجود ويفسّرون عدم الوضوح بالافتقار إلى أنظمة مراقبة المرض ونقص الاختبارات والإمدادات الأساسية والمهنيين المدرّبين. ويسمح هذا السيناريو بتفشي الوباء دون التفطن إليه. يضاف إلى ذلك بناء علاقات قوية مع دول انتشار الوباء مثل إيران وإيطاليا.
 
وكثيرا ما ترسل إيران، التي برزت كمركز إقليمي لتفشي المرض، مستشارين عسكريين إلى سوريا واليمن. ولفهم دور إيران الخطير في تفشي المرض، يجدر التذكير بقدوم جميع الحالات المؤكدة الـ21 في أفغانستان منها، ويرجّح أنها وراء نقل الفايروس إلى صنعاء والمناطق اليمنية الواقعة تحت نفوذ حلفائها الحوثيين، والأمر نفسه في سوريا، حيث يتنقل المقاتلون من إيران مرورا بسوريا إلى لبنان دون أيّ حواجز.
 
وتفاقمت المخاوف مع انتشار الفايروس عبر الحدود التي تنتشر حولها الدوريات غير المجهّزة لمواجهة الوباء.
 
 
وقالت الدكتورة وجدان صبري، وهي مختصة في علاج العظام وتعمل خارج العاصمة الليبية “لا توجد لدينا الإمكانيات اللازمة لإجراء التحاليل. لذلك، لا يمكننا الاعتماد على ما يتجاوز الأعراض البارزة”.
 
وأضافت “عندما أرى الأعراض وأحاول الإبلاغ عنها، لا يحدث أيّ شيء، إذ يرجع المواطنون الذين يشتبه في إصابتهم إلى منازلهم ويخرجون ويتجوّلون ويأكلون في المطاعم. كما أن أولئك الذين يحملون الفايروس يواصلون حياتهم كالمعتاد، وهم يمرّرونه إلى أسرهم وغيرهم في الشوارع”.
 
وقالت طبيبة متطوعة في العاصمة الليبية إنها تعاملت مع سبعة مرضى على الأقل في الأيام القليلة المنقضية، وكانوا يعانون من أعراض فايروس كورونا. وإنها لم تستطع أن تفعل أيّ شيء، فقط نصحتهم بالبقاء في المنزل أو زيارة مختبر طرابلس المركزي. ويتجنب العديد من مرضاها الخيار الثاني خشية الحجر الصحي، إذ يعتقدون أنهم سيحتجزون في وحدة العزل أين سيموتون.
 
ورغم إعلان طرفي الصراع في ليبيا القبول قبولهما بالهدنة الإنسانية التي دعت إليها الأمم المتحدة، فإن القتال المتقطع ما يزال مستمرا، وهو وضع يفاقم الأزمة سواء ما تعلق بتحرك الفرق الصحية على الأرض، أو ما تعلق بزيادة أعداد الجرحى الذين يفرض المقاتلون أولوية علاجهم على من سواهم.
 
وإذا كانت الاشتباكات محدودة في ليبيا، والحكومتان المتصارعتان قد باشرتا إجراءات للوقاية من كورونا، فإن الوضع في اليمن أكثر سوءا بسبب تواتر العمليات العسكرية وتزايد أعداد القتلى والجرحى وإهمال الاستعداد للقاتل الجديد. ويخشى الأطباء من تأثير الحرب والأزمة الإنسانية إذ ستصعّب تحديد سلسلة العدوى واحتواء الفايروس.
 
وتواجه البلاد، المقسمة بين الشمال الذي يسيطر عليه المتمردون والجنوب الذي تديره الحكومة، تفشي الكوليرا. وأصاب هذا المرض أكثر من مليوني شخص وقتل ما يصل إلى 4 آلاف منذ سنة 2016.
 
وفي تعز، التي تعدّ من أكبر مدن البلاد، أشار الدكتور عبدالرحمن الأزرقي إلى تدمير 80 في المئة من مستشفيات المدينة وعياداتها بسبب الحرب والحصار المستمرين. ووصف الوضع في المستشفى الذي يعمل به قائلا “لا يوجد تدريب. لا يوجد حجر صحي. لا نستطيع تحليل عينات المرضى الذين نشتبه بهم”.
 
وقال نائب مدير مكتب الصحة والسكان بعدن، محمد ربيد “أصبح المواطنون خائفين لأنهم واعون بالنقص على مستوى الاستعداد الحكومي”، وأكد على حاجة المستشفيات في جميع أنحاء البلاد للقفازات والنظارات والأجهزة والأدوية، وغيرها من الإمدادات الطبية الأخرى.