يتواطأ فيروس كورونا مع الأزمة المالية والنقدية على الاقتصاد اللبناني. كما يتآمر والدولة على مواطنيها. يجهز الوباء المستجد على ما نفد من بين مخالب أزمة لم توفر قطاعاً اقتصادياً إلا وأردته.
 
على وقع الفيروس القاتل، تتآكل قدرة المواطن اللبناني المعيشية، المنهكة أصلاً منذ أشهر.. فلم يعد ممكناً أن تقترن الأرقام مع الحديث عن خسائر الاقتصاد اللبناني. إذ لم يعد هناك من آلية لإحصاء الأرقام وتقدير الخسائر. فالقطاعات لم ينفد أي منها، بدءاً من قطاع السياحة والسفر مروراً بالزراعة والتجارة ووصولاً إلى الصناعة وقطاع التعليم وغيرها.. حتى المهن الحرة والأعمال اليومية أو الموسمية تضرّرت بشكل بالغ، باستثناء قطاعي الصناعات الغذائية والأدوية.
 
يتكبد الاقتصاد اللبناني، وفق خبراء، ما لا يقل عن 140 إلى 150 مليون دولار يومياً، تزامناً مع حال التعبئة العامة وإغلاق الغالبية الساحقة من مؤسسات القطاعين العام والخاص. ويصعب على عدد كبير من القطاعات والمؤسسات الصمود، بعد أن أنهكتها الأزمات المالية والاقتصادية، في فترة ما قبل أزمة كورونا، أي خلال العام 2019 وخلال الشهرين الأولين من العام 2020. ومع تصاعد حدة المخاوف من انتشار فيروس كورونا، تصاعدت خسائر الاقتصاد وقاربت 150 مليون دولار يومياً، لا سيما مع تراكم الفاتورة الاستشفائية.
 
سياحة وفنادق
تراجع قطاع الطيران تدريجياً منذ أشهر، ساحباً معه قطاع مكاتب السياحة والسفر وقطاع الفنادق. وقد انخفض عدد رحلات الطيران عبر مطار رفيق الحريري الدولي من قرابة 130 رحلة يومياً في النصف الأول من 2019، أي قبل تفجّر الأزمة المالية والاقتصادية، إلى نحو 30 رحلة في الأشهر الأخيرة الماضية، وصولاً إلى توقف حركة المطار كلياّ منذ يومين، في إطار حال الطوارئ الصحية درءاً لانتشار فيروس كورونا.
بطالة وضغوط
منذ أشهر وعلى وقع الأزمة المالية وما ترافق معها من أزمة مصرفية وإجراءات قاسية على حركة الأموال، بدأت المؤسسات التجارية تتداعى، وأعداد المصروفين من العمل تتزايد، حتى قاربت المئة ألف شخص. وطرأت على أضعافهم تخفيضات على المداخيل بنسب متفاوتة بين 30 و60 في المئة، ما أضعف بشكل مباشر القدرة الشرائية، وقدرة المواطنين على الإلتزام بسداد استحقاقاتهم، من فواتير وأقساط مدرسية وجامعية وغير ذلك. وهو ما انعكس سلباً على قدرة المؤسسات التعليمية على الصمود.
النشاط صفر
أما قطاع البيع بالتجزئة، فقد تجاوزت نسبة تراجعه وفق رئيس المجلس الاقتصادي الاجتماعي شارل عربيد، في حديثه إلى "المدن"، 40 إلى 45 في المئة خلال الشهرين ونصف الشهر منذ بداية العام 2020 "أما من منتصف شهر آذار حتى اليوم فقد توقف قطاع البيع بالتجزئة كلياً، باستثناء كل ما يرتبط بالمواد الغذائية والأدوية والمحروقات. وإذا ما استثنينا هذه القطاعات يمكن اعتبار نسبة النشاط صفر (0 في المئة)".
 
لا يمكن فصل القطاعات الإنتاجية في الظروف الحالية وتفصيل خسائرها. فحجم أعمال كافة المؤسسات والمعامل والمصانع شبه معدوم إذا لم تكن مرتبطة بالمواد الغذائية أو الصيدلانية. وبحسب عربيد، لا ترتبط الأزمة بالسوق الإستهلاكية فحسب، بل أيضاً بعجز المؤسسات عن سداد رواتب العاملين لديها، أو حتى سداد نصف رواتبهم. الأمر الذي يساهم في إضعاف القدرة الشرائية أكثر فأكثر، ناهيك عن ارتفاع سعر صرف الدولار وتعميقه الأزمة. فالمؤسسات تراجعت بشكل هائل بلغ نحو 45 في المئة، قبل أن ينعدم كلياً مع تصاعد مخاطر إنتشار فيروس كورونا، وتوقف النشاط العام في البلد.
تراجع كبير
ما بين التجارة العامة وتجارة التجزئة تراجع نشاط القطاع التجاري بما لا يقل عن 70 في المئة. ووفق حديث المدير العام لجمعية تجار بيروت نبيل حاتم إلى "المدن"، فالتراجع بلغ حوالى 40 في المئة في الأشهر الأخيرة من العام 2019. أما منذ بداية العام 2020 فوصل التراجع إلى 70 في المية.
 
الخسائر في القطاع التجاري كبيرة، بعد دخول البلد حال الإقفال شبه التام مؤخراً، لاسيما أن القطاع التجاري، بحسب حاتم، لا يزال منهكاً من الأزمة المالية المستمرة، ومن تقلّص القدرة على الإستيراد  وتراجع القدرة الشرائية وتوقف التسهيلات المصرفية، وغيرها من المشاكل التي نقلت القطاع التجاري ومجمل الإقتصاد اللبناني من مرحلة الجمود إلى الركود التام.
أمل بـ"الصناعة"
ولا يقل القطاع الصناعي في لبنان تأثراً بالأزمات المالية والصحية الراهنة، كغيره من القطاعات الإنتاجية. وبرأي رئيس جمعية الصناعيين فادي الجميل، وطالما أن أزمة فيروس كورونا عالمياً "فما علينا سوى اتخاذ الإجراءات التي من شأنها التخفيف من الضرر على غرار القطاعات الصناعية خارج لبنان، كمنع التجمعات والاكتظاظ وغيرها من الإجراءات اليومية، على أن يتم الإلتزام بها، انطلاقاً من ضرورة استمرار القطاع الصناعي بالإنتاج في المرحلة الراهنة.
 
لا أرقام دقيقة للخسائر في القطاع الصناعي، يقول الجميل في حديثه الى "المدن"، "ولكننا نمر في مرحلة صعبة، لاسيما أن المصانع عمدت سابقا إلى تقنين استعمال المواد الأولية. وبالتالي، انخفضت نسبة المبيعات، فتكبدت خسائر كبيرة. لكننا اليوم أخذنا أمل بموضوع تأمين 100 مليون دولار لاستيراد المواد الأولية، وكذلك لجهة المنصة التي أطلقها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، والتي ستؤمن ديمومة استيراد المواد الأوليّة الصناعيّة"، بانتظار حل بعض الأمور العالقة، كضبط التهريب وارتفاع نسبة الأكلاف. إذ بحسب الجميل، من مصلحة الجميع حل أزمة الصناعة، فهي من القطاعات التي من الممكن أن تخفف من الأزمة المالية والنقدية من خلال التصدير وإدخال الدولار إلى البلد.