أين تقف الحكومة اللبنانية من قضية الإجراءات المطلوبة للتخفيف من تداعيات فيروس»كورونا» على الاقتصاد المُتهالك أصلاً؟ وهل تسمح الإمكانات المتوفرة في ظل إفلاس الدولة في اتخاذ خطوات لمساعدة المواطنين والمؤسسات؟
 

تصارع حكومات الدول لمكافحة الوباء العالمي «كورونا» على صعيدين: الأول، الصعيد الصحي وكيفية احتواء الفيروس ومعالجة المصابين، والثاني على الصعيد الاقتصادي عبر احتواء الأضرار الاقتصادية والمعيشية، من خلال دعم الأفراد والمؤسسات وصياغة سياسات مالية ونقدية واقتصادية استباقية.

 

وبعد ان باشرت بنوك مركزية عالمية كبرى باعتماد سياسات مالية ونقدية جديدة لمواكبة الركود الاقتصادي، الذي فرضته حال الإقفال التام، والذي نتج منه تعطّل دورة الانتاج، وذلك عبر خفض اسعار الفوائد أو تحديد سقوف للسحوبات النقدية، قامت دول عدّة في موازاة ذلك بتأمين شبكات حماية إجتماعية للأفراد، حيث ستؤمّن الولايات المتحدة على سبيل المثال، ألف دولار لكل مواطن، في حين عمدت الامارات العربية المتحدة لتأمين مساعدات غذائية للأفراد المحتاجين، كما فرضت تنزيلات بنسبة 50 في المئة في المؤسسات التجارية الغذائية الحكومية (سوبرماركت)... بالإضافة الى ذلك، عمدت حكومات بعض الدول الى إعفاء المؤسسات والأفراد من الضرائب والرسوم، في محاولة لتخفيف الأعباء المالية قدر الامكان.


 
 

أين يقع لبنان من هذه الإجراءات، وما هي امكانات دول مفلسة لمكافحة الفقر ومساعدة الشركات والأفراد؟ وما هي سياسات التحفيز الممكن اعتمادها في لبنان حالياً أو في مرحلة ما بعد احتواء الوباء؟

 

في هذا الإطار، سأل رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي شارل عربيد في بيان، «ما اذا كانت الحكومة قد بدأت بالتفكير استباقياً بالانعكاسات الاقتصادية وكيفية الدعم للقطاعات كافة، على غرار باقي الدول. فديمومة العمل، متى عاد العمل والإنتاج، بحاجة إلى إجراءات وتشريعات، تُهيّأ منذ الآن، تعالج وترتّب بشكل مرن استمرار وبقاء المؤسسات المتوسطة والصغيرة وتحافظ على القوى العاملة فيها».


 
 

وأوضح عربيد لـ«الجمهورية»، انّ على الحكومة اتخاذ اجراءات فورية عبر إصدار تعاميم، تطمئن من خلالها المواطنين من ناحية الأعباء المالية المترتبة عليهم، إن من ناحية إعفائهم موقتاً من بعض الاستحقاقات المالية او تأجيل مِهَل الدفع، على سبيل المثال فواتير الكهرباء او بعض الايجارات والرسوم... موضحاً انّ تلك الإجراءات تخفّف من الضغوطات التي يعاني منها المواطن اليوم، بالإضافة الى الهاجس الصحي، ليبقى همّه الاساس تأمين لقمة عيشه في ظل توقف شبه كامل لبعض الأعمال، خصوصاً في ما يتعلَّق بالأشخاص الذين يعتمدون على الأجر اليومي. وأشار في هذا السياق الى ضرورة تأمين مساعدات غذائية مباشرة لشرائح المجتمع الاكثر فقراً، على غرار ما تقوم به باقي الدول، مشدّداً على ضرورة عدم تهميش هذه الفئة في الوقت الحالي «لأن الجوع يولّد الشغب».

 

ودعا عربيد الى وقف العدّاد حالياً لكل ما يتعلق بالأعباء المالية على الافراد والشركات لتمكينها من الصمود في مرحلة توقف الاعمال والانكماش الاقتصادي الذي فاقمه فيروس «كورونا».

 

أما الإجراءات الاخرى التي يمكن ان تتخذها الحكومة وفقاً لعربيد فهي مرتبطة بقرارات متعلّقة بوقف المِهَل، خصوصاً في القطاع المصرفي، حيث تقضي الفوائد على مؤسسات القطاع الخاص التي تكافح للبقاء «مع العلم انّ خفض الفائدة المرجعية لسوق بيروت (BRR) هي بدعة لم تغيّر شيئاً في نِسَب الفوائد المرتفعة على التسهيلات المصرفية الممنوحة للشركات».


 
 

كما أشار، انّ على الحكومة ان تحيل الى مجلس النواب، في حال استأنف جلساته، تشريعات استباقية للمرحلة المقبلة، بعد عودة الدورة الاقتصادية الى طبيعتها، متعلقة بتحفيز الاقتصاد ودعمه، قد تكون مرتبطة بالضرائب، الرسوم، الفوائد المصرفية، الإيجارات وغيرها. بالإضافة الى ذلك، يجب إعداد سياسة تحفيزية للمرحلة المقبلة تتعلّق بديمومة عمل الشركات خصوصاً المتوسطة والصغيرة منها، داعياً الى إقرار قانون «الكابيتال كونترول»، على ان يشمل منح تسهيلات جديدة للقطاع الخاص.

 

وبالنسبة لرواتب واجور القطاع الخاص، تمنّى رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي ان تُصدر الحكومة تعميماً أو تمنّياً على مؤسسات القطاع الخاص، قبل نهاية الشهر الحالي، بضرورة الالتزام بدفع رواتب الموظفين في ما يتعلق بالشركات والمؤسسات الكبرى او التي تملك فروعاً خارج لبنان، وبالتالي يمكنها تحمّل كلفة الاجور رغم توقف الاعمال محلياً.

 

اما في ما يتعلّق بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، فرأى عربيد انّه يجب تحديد الحد الادنى للاجور الواجب على القطاع الخاص الالتزام بدفعه اواخر الشهر الحالي.

 

وعن سعي المجلس الاقتصادي والاجتماعي الى إعداد دراسة حول السياسات التحفيزية المطلوبة في المرحلة المقبلة، قال عربيد، انّ المجلس كان قد أعدّ، قبل أزمة «كورونا»، ورقة بعنوان: «الخروج من الأزمة»، لافتاً الى انّه يجب تعديلها اليوم بعد الانعكاسات السلبية الاضافية التي ولَّدها انتشار الفيروس على الاقتصاد.


 
 

في الختام، أبدى عربيد عتباً على الحكومة لعدم إشراكها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والمعنيين في القطاع الخاص في اجتماعات اللجان التي شكّلتها، من أجل التوصّل الى اجراءات تشاركية يمكن تطبيقها على أرض الواقع.