وأنت تسمع بعض السفراء وهم يوصِّفون الوضع اللبناني؛ يزخّك العرق البارد، ويحمرّ وجهك خجلاً، وتحتار كيف تخبئه، ويخونك لسانك ويُصاب بالشلل ولا تعرف ماذا تقول!
 

في المجالس واللقاءات غير الرسمية، يخرج ما في النفوس الديبلوماسية الى العلن، ويكسر الكلام الديبلوماسي كلّ الحواجز والبروتوكولات ويعبّر عن الحقيقة الجارحة. وهذا ما حصل قبل ايام، في لقاء خاص، جمع بعض السفراء مع شخصيّات لبنانيّة بينهم سياسيون ورجال اعمال ومال. وهذه عيّنات من الكلام الديبلوماسي الصريح:

 

- «مشكلتكم في لبنان متأتية بالدرجة الأولى من انعدام الاستقرار السياسي في البلد، ومن تعدّد الرؤوس الحاكمة وتنافرها خلافاً لأي دولة في العالم». هنا يقول سفير عربي بارز: «من خلال مواكبتنا للحكومات في لبنان، وعلى سبيل المثال، انّ الحكومة السابقة كانت تُدار عبر شخصيّة لا تملك قراراً، ولا وضوحاً في الرؤية ورغبة في تحمّل المسؤولية. اما بالنّسبة الى الحكومة الحالية، فنسمع من كثير من اللبنانيين انّ رئيسها ضعيف، ووزراءها ضعفاء»!


 
 

- «مشكلتكم الإقتصادية شديدة الصعوبة والتعقيد، واقترب بلدكم من الإفلاس، والأسباب الجوهرية لهذه المشكلة، هي صناعة لبنانيّة. تتسبّبون بالمشكلة وتعمّقونها وتختلفون عليها وتتقاذفون المسؤوليات، ثم تعتبون على العرب والغرب إن اقفلوا عليكم باب المساعدات. هذه هي حالكم منذ سنوات طويلة، وما زلتم مستمرين على هذا المنوال...».

 

- «عندما قيل للبنانيين إنّ اياً من دول العالم لن يساعدكم قبل ان تقرّروا انتم ان تساعدوا انفسكم وتنقذوا بلدكم، لم يأتِ هذا الكلام من فراغ، بل من قرار صارم لدى المجتمع الدولي. كانت امامكم فرص وأضعتموها، ولو انكم استغليتموها في السنتين الماضيتين، لما وصلتم الى الإفلاس. لقد اجتمع العالم من اجلكم في مؤتمر «سيدر»، ولكن بدل ان تستجيب حكومتكم لمتطلّباته لجأت الى سياسة المماطلة والتذاكي، وأشعرت مجموعة الدعم الدولية التي اجتمعت من اجل لبنان، بأنّ حكومة لبنان ليست جدّية، وما قطعته من التزامات إصلاحية كان كذباً، وبالنتيجة يجب ان يعلم اللبنانيون انّ «سيدر» ضاع نهائياً».


 
 

- «نتيجة هذه السياسة، أيّ دولة في العالم ستفكّر أكثر من مرّتين إن كان الامر متعلقاً بتقديم مساعدات للبنان - هذا اذا وُجدت هذه الدولة - فلا العالم نتيجة الظروف التي يمرّ بها مهتم بلبنان، ولا أي من دول الخليج لديه الرغبة في تقديم اي مساعدة، خصوصاً وأنّ هذه الدول صارت في حاجة ماسة الى صرف أموالها بما يمكنّها من معالجة ما تعانيه من أزمات، وهذا أهم بالنسبة اليها من لبنان ومن تقديم مساعدات مالية له، تلحق بسابقاتها الى الهدر وجيوب بعض المسؤولين».

 

- «تخطئون جداً إن اعتقدتم انّ أزمتكم الاقتصاديّة والماليّة ستعبر بعد شهور عدة، بل انّ حجم استعصائها يؤكّد انّها ستستمر الى فترة طويلة جداً تُقاس بالسنوات...».

 

- «ما يؤسفنا هو مصارحتكم بأنّ وضعكم في لبنان محزن، وإن لم تتمكنوا من القيام بخطوات استثنائية، فلا تتفاجأوا ابداً إن صار الوضع عندكم مأسوياً، وهذا يجعلنا نخاف فعلاً على الشعب اللبناني».

 

- «ثمة فرصة متاحة امامكم للقيام بخطوات اكثر من ملحّة، لا نقول انّها ستؤدي الى الإنفراج الموعود في لبنان، بل من شأنها ان تنقل لبنان الى وضع آخر فيه من الإيجابيات ما يُبنى عليه للسير نحو إنهاء الأزمة. ولعلّ في مقدمة هذه الخطوات الشروع فوراً بمعالجة ملف الكهرباء. وفي إمكانكم ان تقلّدوا المصريين في الطريقة التي اتبّعوها مع الشركات الاجنبية المتخصصة في هذا المجال، الى حدّ اصبح عندهم فائض كهربائي، وحظّكم جيّد جداً في لبنان مع تراجع سعر الميغاوات الواحد من مليون دولار الى نحو 600 الف دولار».


 
 

- «لبنان دخل في فترة التعثّر عن سداد سندات «اليوروبوند»، وهو بصدد الشروع في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي طلباً لمساعدته. فما يجب ان يكون معلوماً، انّه في احسن حالات المفاوضات هذه، انّها اذا انطلقت فستستغرق ما لا يقل عن 7 الى 8 اشهر. فليس أن يقرّر لبنان التفاوض مع صندوق النقد معناه انّ الصندوق سيتناول الأموال من الدرج ويقدّمها فوراً للبنان، بالعكس، هذه مفاوضات طويلة، وقد يعطيكم الصندوق وقد لا يعطيكم، وان قرّر ان يعطيكم فسيبني قراره على خطة يقدّمها لبنان تُحدّد له فيها برنامجه وكيف ستردّ للصندوق امواله التي سيقرضه ايّاها، وهذه الخطة ليست موجودة حتى الآن، كما ليس هناك فريق مفاوض مشكّل سلفاً؟ واكثر من ذلك، هل تعتقدون ان يوافق الصندوق على إقراضكم وانتم وزعاماتكم في هذا الحال من التساجل وتناتش القرار؟».

 

ولهذا الكلام تتمة اسوأ، حرفيتها: «وضعكم في هذه المفاوضات مع صندوق النقد صفر، لانّكم لا تملكون شيئاً، وخزينة بلدكم فارغة، دول غير لبنان، توجّهت الى صندوق النقد وحصلت على قروضه، كمصر على سبيل المثال، التي قبل ان تتوجّه الى الصندوق كانت قد حصلت على لفتة خليجية قدّمت اليها ما يزيد عن 20 مليار دولار، مكّنتها من ان تدخل المفاوضات مع صندوق النقد على ارضية شبه صلبة، واستغرقت المفاوضات وقتاً، فيما انتم في لبنان، على اي اساس ستدخلون المفاوضات، وأرضكم رخوة ولا مساعدات مالية وصلتكم لا من الشرق ولا من الغرب؟».

 


في ختام هذا الكلام يرد تعليق من سفير دولة عربية كبرى: «حرام لبنان، انا حزين عليه»!