انتشار فيروس كورونا في لبنان، أربك يوميات السكان بمختلف شرائحهم، وقلبها رأسا على عقب، في ظل تدابير حكومية صارمة لمواجهة الوباء.

وحتى صباح الخميس، أعلنت السلطات وفاة 4 أشخاص، وإصابة 139 آخرين بالفيروس.

** كورونا ويوميات اللبنانيين

التزمت معظم المدن والقرى، بشكل شبه كامل، بالإقفال وعدم التجول إلا للضرورة، تنفيذا لخطة الطوارئ الصحية التي أقرتها الحكومة، الأحد الفائت، لمكافحة كورونا والحد من انتشاره.

ودفعت هذه الحالة المستجدة، بالمواطن إلى تغيير عاداته اليومية وسلوكياته مرغما، بسبب تداعيات الفيروس على صحته.

ويتعامل اللبنانيون بقلق مع النمط الحياتي الجديد الذي فرض نفسه من دون إذن، محاولين التأقلم معه، رغم قدرتهم على التكيف مع جميع الأوضاع مهما صعبت.

ووسعت الحكومة نطاق القيود المفروضة منذ الأحد على المواطنين، كما قررت إغلاق جميع المرافئ البحرية والبرية والجوية، لمدة 11 يوما.

** تعليق الصلاة بالمساجد

في إطار إجراءات الحد من تفشي كورونا، أعلنت دار الفتوى تعليق الصلوات في المساجد، بما فيها صلاة الجمعة.

وعن حيثيات القرار، يقول رئيس دائرة أوقاف البقاع (شرق)، الشيخ محمد عبد الرحمن، للأناضول، إن "الفيروس دخل من دون إذن وأرضخ الدول الكبرى، فما كان منّا إلا أن نأخذ الحيطة والحذر حفاظا على المصلين".

ويتابع: "نصّت مقاصد الشريعة الإسلامية على حفظ النفس البشرية، فمن واجبنا الحفاظ على المصلين في ظل نقص الإمكانات الطبية والمخبرية في بلادنا".

ويختم عبد الرحمن، إمام بلدة مجدل عنجر أيضا: "نلتزم بالصلاة والدعاء في بيوتنا، ونحن رهن إشارة دار الفتوى حين ترى أن الخطر قد زال".

من جهته، يعبّر المواطن فؤاد فايد (50 عاما)، للأناضول، عن حزنه الشديد لعدم استطاعته الصلاة في جامع عبد الناصر، غرب العاصمة بيروت.

ويلفت إلى أنه للمرة الأولى منذ نشأته، يصلي في المنزل ويستمع للآيات القرآنية على موقع "يوتيوب".

** إقفال الكنائس وتعليق القداديس

على الصعيد ذاته، يؤكد كاهن رعيّة السيدة (قضاء عاليه)، الأب بسام سعد، إقفال الكنيسة وتعليق القداديس، في ظل صدور قرارات حكومية وصحية إلى حين زوال الخطر.

ويقول للأناضول: "الكنيسة تخاف على أبنائها، ومن واجب الجميع الوقاية من الوباء، والحجر الصحي، كما أوصت الجهات المعنية".

ويشدد سعد، على ضرورة إفصاح كل مريض عن إصابته حتى لا يتسبب بأذية الآخر، متمنيا أن تمر هذه الأزمة الصحية العالمية على خير.

ولبنان الذي اشتهر بحبه للحياة والسهر، يشهد اليوم إجراءات وقائية شديدة في إطار مكافحة الفيروس، تعد الأولى من نوعها والأكثر صرامة، خصوصا بعد تسجيل 4 حالات وفاة.

المواطن إلياس غسطين (45 عاما)، يعرب للأناضول، عن أسفه لأن هذا العام لن يشارك في قداس عيد الفصح، لافتا إلى أن كورونا غيّر عادات العيد.

ويقول: إن "كنيسة قريتنا في جبل لبنان (وسط)، طمأنتنا أنها ستبث قداس العيد مباشرة على صفحتها عبر فيسبوك".

** مراسل من البيت

وفي السياق، يلفت نعيم برجاوي، مراسل قناة "الجديد" المحلية، إلى أن المؤسسة اتخذت إجراءات احترازية عدة حرصا على السلامة العامة، بينها تفادي الاختلاط، وتقليص عدد الصحفيين في غرفة الأخبار إلى أدنى حد.

ويقول للأناضول: "اتفقنا على برنامج عمل جديد في ظل الأزمة الراهنة، إذ نعمل بأسلوب التناوب، حتى جميع المقابلات السياسية نجريها بواسطة (تطبيق) سكايب".

أما حسين الجوهري، الصحفي لدى إحدى المواقع الإخبارية، فيشير إلى أنه يغطي أبرز التطورات من منزله، ويتواصل مع رئيس التحرير والمراسلين عبر تطبيق "واتسآب"، مشددا على أنها تعد سابقة في مسيرته المهنية.

واتخذت الحكومة تدابير عدة لمواجهة تداعيات كورونا على مختلف أوجه الحياة، لا سيما في الحركة والسفر والترفيه والعبادة والمتاجر والمعاملات الرسمية، ما أرغم المواطن على تغيير سلوكياته.

** الثورة زمن الكورونا

وتشهد الساحة المحلية منذ 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، احتجاجات شعبية ترفع مطالب سياسية واقتصادية، ويغلق مشاركون فيها من حين إلى آخر، طرقات رئيسية ومؤسسات حكومية.

ويؤكد المحامي والناشط السياسي لؤي غندور، أنه واكب الثورة منذ انطلاقتها، وبقي في الساحات إلى أن تأزمت الأوضاع الصحية مؤخرا.

لكنه يشدد على أنه سيبقى بالمرصاد للمخالفات والتجاوزات عبر المنصات الإلكترونية، أو من خلال مقابلات صحفية يجريها عبر "سكايب".

من جانبه، يقول الناشط في حراك بعلبك (شرق)، محمد ديب عثمان: "بقينا في الخيام تحت الأمطار والثلوج، ولا شيء هزم عزيمتنا، وسنعود إليها في القريب العاجل، أما الآن فقد أرغمنا على الالتزام بالحجر الصحي ونقوم باتصالات شبه يومية مع الناشطين للتوعية من تداعيات كورونا".

** سلوكيات تفرضها كورونا

سينتيا سروجي، مهندسة بناء، في الـ 30 من عمرها، تقول إن الفيروس فرض عادات جديدة مثل وضع الكمامات واستخدام المعقمات.

وتضيف للأناضول: "أصبحت المعقمات من البديهيات حتى لو نلتزم بالحجر المنزلي، كما أني أسعى للتأقلم مع هذا الوضع رغم صعوبته على نفسيتي"، متسائلة: "ولكن.. إلى متى؟!".

بدوره، يوضح سامر حدشيتي (محاسب، 37 عاما) أن "تواصله مع أقربائه وزملائه في العمل يختصر عبر مواقع التواصل"، مضيفا: "لم أغب منذ 10 سنوات عن مكتبي، فهذا الوباء بدّل يومي بشكل كلّي".

من جهتها، تقول مايا رعد (صاحبة صالة عرض): "قررت الإقفال المؤقت حفاظا على سلامة الزبائن والموظفين، رغم الإجراءات الوقائية التي اتخذتها منذ اللحظة الأولى".

وتستطرد: "فور عودة الأمور إلى طبيعتها، سأبث الأمل والفرح في قلوب جميع المحيطين بي، لأن مع العسر يسراً".

فيما لم تنف فاتن معيكي (40 عاما)، سكرتيرة، صعوبة تدريس أولادها في المنزل ومتابعة عملها عبر البريد الإلكتروني.

وتعبر عن شعورها "بإرهاق نفسي، لأن أولادي الأربعة في المنزل وأتابع دروسهم مع أساتذتهم عبر سكايب، ولا ننسى أنني أكدس الطعام في المنزل خوفا من الأسوأ".

بدوره، يعرب الطالب في الشهادة المتوسطة، كميل يزبك، عن خوفه من الامتحانات الرسمية التي اقترب موعدها، خصوصا أن العام الدراسي الحالي لم يكن كغيره في ظل الاضطرابات والتعطيل، داعيا السلطات إلى الأخذ بالحسبان كل الأحداث الحاصلة.

** رأي مختص

المعالجة النفسية والاجتماعية لانا قصقص، دعت إلى ضرورة التعامل مع هذا الوضع بدقة حتى لا يتحول إلى قلق وخوف جماعي.

وتقول: "النفس البشرية لها استعداد للتعامل مع الخوف والقلق بشكل سريع، خصوصا عندما يشعر الإنسان أنه يواجه خطرا محدقا".

وتعتبر أن الأمور يجب أن تؤخذ بروية وحكمة، وعلى الجميع الالتزام بالإرشادات التي تضعها منظمة الصحة، وعدم الانجرار إلى كل ما يُنشر عبر مواقع التواصل.

وحول كيفية تكيّف الإنسان مع واقع جديد، تجيب قصقص: "الهدوء يجب أن يكون سيّد الموقف، والنظر بايجابية رغم صعوبة الأمر."

وتختم أن "الالتزام بالحجر الصحي في هذه الفترة يجب أن يكون لإعادة تنظيم الحياة وترتيب الأولويات".