في 22 فبراير/ شباط الماضي، حل فيروس كورونا ضيفا ثقيلا على المستويات كافة في لبنان، بعد اكتشاف أول إصابة به لسيدة قادمة من إيران.

ومع تفشي الفيروس السريع، أصبح الاقتصاد اللبناني أمام تحد حقيقي، لا سيما أمام مدى استطاعة احتوائه، في بلد يعاني أسوأ أزمة اقتصادية منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1990.

وتثار مخاوف جراء استمرار إغلاق المطاعم، والأسواق التجارية، والمدارس والجامعات في أغلب مناطق البلاد، ضمن إجراءات احترازية من "كورونا".

كما ارتأت نقابات عمالية واتحادات، التوقف عن العمل مدة غير محددة، في جميع أنحاء البلاد، للسبب نفسه.

ويزيد من صعوبة الوضع، أن لبنان يشهد منذ 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، احتجاجات شعبية ترفع مطالب سياسية واقتصادية، ويغلق مشاركون فيها من آن إلى آخر، طرقات رئيسية ومؤسسات حكومية.

ووفق بيانات أوردتها الوكالة الرسمية، سجلت البلاد 3 وفيات جراء الإصابة بالفيروس، فيما بلغ إجمالي عدد الإصابات 109.

** تبعات صعبة

وفي حديث للأناضول، يعترف وزير الاقتصاد راؤول نعمة، أن اقتصاد البلاد يعاني أزمة في الأساس، وسيتأثر خلال الأيام المقبلة بشكل أكبر، نتيجة تفشي كورونا.

ويقول نعمة، إنه من الطبيعي أن يتأثر الاقتصاد مع إقفال المطاعم والأسواق التجارية والملاهي الليلية، "لكن حرصا على سلامة المواطن وصحته، هناك خطط احترازية يجب اتباعها".

وأضاف أن بلاده "لا تدفع وحدها ثمن كورونا، وإنما أغلب دول العالم تضرر اقتصادها نتيجة انتشار الفيروس.. لكن لبنان ليس من الدول الغنية، إذ أن إمكاناته محدودة".

وعما إن كانت هناك خطوات إنقاذية ستقدم عليها الحكومة، أجاب نعمة: "في الوقت الراهن نركز على الوقاية من الفيروس كي لا ينتشر أكثر في البلاد".

** أزمات متلاحقة

الصحفية الاقتصادية محاسن مرسل، تعتبر أن الاقتصاد اللبناني يمر في أسوأ مراحله مع كورونا، وحتى من دونه.

وتقول مرسل، للأناضول، إن "أهل الشأن في البلد، سبق وكشفوا أن النظام المالي وميزانية مصرف لبنان، تقدر الفجوة (العجز) بـ 25 مليار دولار، ما يعني أن كورونا باتت تحصيل حاصل".

وعن مدى تأثر قطاع المطاعم والفنادق جراء الإقفال، تجيب مرسل: "قبل وصول كورونا، أقفل في لبنان بين سبتمبر/ أيلول (2019) وفبراير/ شباط الماضي، 758 مطعما ومؤسسة سياحية، وصرف 25 ألف موظف".

وتضيف أن البلاد "شهدت مؤخرا موجة طرد للعاملين، بسبب إقفال المصانع وخطوط الإنتاج، جراء عدم استطاعة أرباب العمل تأمين اعتمادات لاستيراد المواد الأولية نتيجة أزمة الدولار، والقيود التي وضعت على حركة الأموال من جانب المصارف".

وتوضح مرسل، أن خبراء محليين قدروا وصول الانكماش الاقتصادي بين 13 - 14 بالمئة، "هذا رقم مخيف وسط تراجع القدرة الشرائية بنسبة 35 بالمئة، وخسارة الليرة 65 بالمئة من قيمتها".

وصعد سعر صرف الدولار الواحد في السوق السوداء (غير الرسمية) إلى 2500 ليرة، بزيادة 65 بالمئة، مقارنة بسعر الصرف الرسمي البالغ 1508 ليرات.

** قطاعا التربية والمصارف

ونال القطاعان التربوي والاقتصادي نصيبا من كورونا، إذ أغلقت المؤسسات الرسمية والخاصة أبوابها، بعد تحذير وزارة الصحة أن الفيروس خرج من "مرحلة الاحتواء إلى مرحلة الانتشار" في البلد.

والأحد، أعلنت "جمعية مصارف لبنان"، غلق فروعها كافة في السوق المحلية اعتبارا من الإثنين، وحتى 29 مارس/ آذار الجاري، انسجاما مع قرار مجلس الوزراء بإعلان "التعبئة العامة"، نتيجة تفشي كورونا.

وقالت الجمعية، في بيان، إنها ستوفر لعملائها خلال فترة الإقفال المؤقت، الخدمات المصرفية الأساسية، كالسحب النقدي بالليرة، عبر أجهزة الصراف الآلي، وخدمة بطاقات الدفع كافة.

يأتي القرار، بعد تصريحات للرئيس ميشال عون، في مستهل جلسة مجلس الوزراء الاستثنائية، قال فيها إن "الحالة الراهنة تؤلف حالة طوارئ صحية، تستدعي إعلان التعبئة العامة في جميع المناطق".

** تنسيق وتعاون

ممثلة منظمة الصحة العالمية في لبنان، إيمان الشنقيطي، تؤكد في حديث للأناضول، أن المنظمة ستواصل دعم وزارة الصحة في البلاد.

وفي حالة تفشي المرض، توضح الشنقيطي، أن المنظمة "ستبذل قصارى جهدها للاستجابة لاحتياجات النظام الصحي".

وتتابع: "لا يمكننا التكهن بكيفية ظهور الأحداث، ولكننا نعمل على خطط الاستجابة للطوارئ الصحية العمومية للسيناريوهات المختلفة، التي قد يواجهها لبنان من أجل تخفيف التحديات المحتملة".

وتعتبر الشنقيطي، أن الحكومة اللبنانية تتخذ ما يلزم للمساعدة على احتواء انتشار المرض، كما أن وكالات الأمم المتحدة تعمل على مدار الساعة لدعمها في جميع الجبهات.