سيكون أمام لبنان أسابيع من الشلل والركود على مختلف الصعد، وخصوصاً الاقتصادية، بسبب أزمة كورونا. بعدها يفترض أن يبدأ النقاش العملي مع صندوق النقد الدولي. ولكن بناء على الشروط اللبنانية، وفق ما أعلن نصر الله، لناحية رفض فرض ضرائب جديدة على اللبنانيين.
 

شغل كورونا حيّزاً من السجال على المسرح السياسي بفعل انتقادات لتأخر الحكومة في إجراءاتها الاستباقية للتخفيف من عدوى الفيروس، وفي وقفها رحلات الطيران من وإلى إيران، التي انتقلت الإصابة الأولى به منها عبر إحدى السيدات العائدات من زيارة دينية إلى مدينة قم. ووجّه أكثر من فريق سياسي انتقاداته لـ حزب الله، فاتُّهم بأنه حال دون وقف الرحلات الجوية من وإلى طهران قبل ثلاثة أسابيع، إذ اعتبر وزير الصحة ، أن هكذا إجراء له اعتبارات سياسية، وأطلق ذلك العنان لسيل من التعليقات السلبية على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى أن اتّخذت الحكومة قرار وقف الرحلات من وإلى إيران الأربعاء الماضي، مع شموله دولاً أخرى موبوءة، فيما تريّثت في قرار إعلان حالة الطوارئ كي يلتزم اللبنانيون والمقيمون في لبنان المنازل، للحدّ من انتشار العدوى على الرغم من مطالبات عدّة لها بالإسراع في هذا التدبير. ويُنتظر أن تتجه الحكومة اللبنانية إلى مواقف أكثر وضوحاً ، حيال بعض الأمور الحساسة والملحة، لا سيما منها التشدد أكثر في التعاطي مع وباء فيروس كورونا، الذي أخذت عدواه تتّسع تدريجاً بشكل مقلق، إضافةً إلى ترجيح خيار الاستعانة بصندوق النقد الدولي في المعالجات للمأزق الاقتصادي المالي الذي سيزداد حدّة مع الشلل الذي يسبّبه الفيروس القاتل.

 


ما دفع بعض الأوساط إلى توقّع وضوح أكثر في توجهات الحكومة، هو ما أعلنه الأمين العام لـ حزب الله السيد حسن نصر الله في اطلالته الاخيرة، حين أفرد جزءًا كبيراً من خطابه لموضوع مكافحة تفشي فيروس كورونا، فأطال بشرح أسباب خطر الوباء داعياً اللبنانيين، ولا سيما جمهوره، إلى الامتناع عن التجمعات وحتى الصلاة في الحسينيات والاحتشاد عند تشييع مقاتلي الحزب الذين يسقطون في سوريا والالتزام بتعليمات عدم الاختلاط والبقاء في المنازل. 

 

 

سيكون أمام لبنان أسابيع من الشلل والركود على مختلف الصعد، وخصوصاً الاقتصادية، بسبب أزمة كورونا. بعدها يفترض أن يبدأ النقاش العملي مع صندوق النقد الدولي. ولكن بناء على الشروط اللبنانية، وفق ما أعلن نصر الله، لناحية رفض فرض ضرائب جديدة على اللبنانيين.


 لكن، وبأي حال، شروط الصندوق سيكون لها آثار قاسية على الواقع اللبناني والمشكلة في لبنان أنّ الحصول على استثمارات مؤتمر سيدر مشروط بإشراف صندوق النقد. ومساعدات المجموعة الدولية لدعم لبنان مربوطة بإصلاحات جذرية. ونحن في وضع لا يسمح لنا بأن نمارس مع المانحين وصندوق النقد شروطنا والبلد في حال من الافلاس غير المعلن . إن إشارة السيد نصرالله سمحت للعديد من قيادات حزب الله بالنزول من شجرة مواقفهم الرافضة لخيار الصندوق  وفي الوقت عينه لم يترك المجال لحكومة دياب إدعاء حياديتها.

 

 
أرخى هذا التصرف نوعاً من التصدعات بين أركان الفريق الواحد، ووضع رئيس الحكومة في خانة المحرج، الذي قرأ المواقف بشكل خاطئ. استند دياب على مواقف قيادات حزب الله، وخصوصاً الشيخ نعيم قاسم الذي شيطن صندوق النقد الدولي. فذهب رئيس الحكومة بعيداً في معارضة خيار الصندوق، والمزايدة بمواقفه حول إيجاد حلول بديلة، ليعود ويصطدم بموقف نصر الله الذي أعاد الأمور إلى سكة الصندوق.

 


إنها المرة الثانية التي يصطدم فيها رئيس الحكومة بموقف مناقض لتوجهاته. هو أولاً كان مع خيار الصندوق، لكن بعد كثرة المواقف الرافضة، زايد في رفضه، ليعود ويجد نفسه عائداً إلى بيت الطاعة. تماماً كما حصل معه عندما كان متحمساً لدفع سندات اليوروبوند حرصاً على سمعة لبنان وحكومته، فعاد وتراجع عن ذلك. دون نسيان أن المعركة هنا تحصل وكأن لا أزمة تعصف بلبنان، والصراع يبقى على المواقع والحصص. ناهيك عن حرب النكايات بين رئيس الجمهورية، وتياره وفريقه والمحسوبين عليه مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ووزير المال غازي وزني، خصوصاً حول الخطة الاقتصادية والمالية التي يعدها وزني، وتشمل في بنودها ما سيتم تقديمه لصندوق النقد الدولي. حرب المزايدات مستمرة داخل الفريق الواحد. وتشمل ملفات عديدة، على رأسها الكهرباء، تليها التشكيلات القضائية، وصولاً إلى آلية التعاطي مع المصارف ومصرف لبنان، وصولاً إلى معركة تعيين نواب حاكم مصرف لبنان ورئيس لجنة الرقابة على المصارف.

 


 ختاماً ان حجم الحصار الديبلوماسي والاقتصادي المضروب على لبنان بعد تشكيل الحكومة واعتبارها حكومة اللون الواحد التي شكلّها حزب الله، لبنان في مأزق على سطح أزمته العميقة. والمشكلة أنّ المأزق مصطنع بالقوة، والأزمة من صنع التركيبة السياسية النافذة العاجزة عن حلّ الأزمة التي صارت أكبر منها. وهي مرتبكة وحائرة بين الخوف من الانهيار الكبير والخوف على مصالحها من أي حلّ يهدّد المحاصصة والصفقات والسطو على المال العام ويفتح ملف المحاسبة. فلا الاستدانة بلا حساب من الداخل والخارج باتت ممكنة لتغطية العجز والسياسات السيئة والهدر والعيش على الأزمة وإجبار الناس على التعايش معها ودفع الثمن. ولا تعليق سداد الدين العام من دون أن تسبقه خطة إنقاذيه وتفاهمات وفرصة للحصول على موارد سوى مراوحة في الأزمة وتسليم اكراهي بإفلاس غير معلن.