ليس هناك ما هو طبيعي في العالم في هذه الأيّام. لا هبوط أسعار النفط طبيعي ولا انتشار كورونا التي انطلقت من الصين، بالطريقة التي انتشرت بها، أمر طبيعي. سيكون لهبوط أسعار النفط تأثير كبير على دول عدّة لم تتخذ الإجراءات الضرورية اللازمة لتفادي حالة من هذا النوع. هذا عائد أساسا إلى طبيعة النظام في هذه الدول من جهة، وفقدان الرغبة في الاستفادة من تجارب الماضي من جهة أخرى. عندما يكون النظام القائم أهمّ من البلد والمواطن، لا يعود مستغربا أن يكشف وباء كورونا “الجمهورية الإسلامية”، وإلى أيّ حدّ هي ضعيفة في واقع الحال، خصوصا في مجال التعاطي مع الإيرانيين.
 
بين هبوط أسعار النفط وكورونا، سيشهد العالم تطورات في أماكن عدة. يمكن في هذا المجال الإشارة إلى بلديْن معينيْن هما إيران والجزائر. كشفت كورونا إيران، وكشف هبوط أسعار النفط والغاز الجزائر.
 
هناك بالطبع بلدان أخرى ستتأثّر بما يشهده العالم من تطوّرات لم تكن متوقّعة. لكن التركيز يمكن حصره بإيران والجزائر نظرا إلى أن ما يجمع بينهما يتمثّل في عجز النظامين عن تأمين بديل عن الدخل الذي مصدره النفط والغاز، في حين أن لدى كل من البلدين كلّ المقومات التي تسمح لهما ببناء اقتصاد مزدهر بفضل الثروات الأخرى التي يمتلكانها، بما في ذلك الثروة الإنسانية. ما أكثر هذه الثروات أكان ذلك في الجزائر أو في إيران. ولكن ما العمل عندما يقرّر نظامان الهرب المستمر إلى الخارج، بدل التركيز على كيفية الاهتمام برفاه الشعب وتأمين مستلزماته وإتاحة فرص عمل ذات طبيعة منتجة للجيل الشاب.
 
تهتمّ إيران بكلّ شيء باستثناء إيران. جاءت كورونا لتؤكد ذلك. ليس معروفا إلى الآن حجم انتشار الوباء في “الجمهورية الإسلامية”. كلّ ما هو معروف أن عددا كبيرا من المسؤولين قضَوْا بسبب كورونا. الأكيد أن إيران تعتبر مدى انتشار كورونا سرّا عسكريا. لهذا السبب، ترفض دخول موظّفين مختصّين في منظمة الصحّة العالمية أراضيها. تريد فقط أدوية ترسلها المنظمة الدولية. هل تخشى أن يكشف هؤلاء مدى تخلّف النظام الإيراني على الصعيد الداخلي وعجزه عن مواجهة الواقع؟
 
عندما قامت “الجمهورية الإسلامية” في العام 1979، وحتّى قبل ذلك، تحدّث آية الله الخميني عن أهمّية بلوغ مرحلة لا يعود فيها الاقتصاد الإيراني رهينة النفط والغاز. ما حدث كان عكس ذلك تماما. في السنة 2020، تبدو إيران أكثر من أيّ وقت تحت رحمة أسعار النفط والغاز. لكنّها، فوق ذلك، تحت رحمة العقوبات الأميركية التي ركّزت على صادرات النفط والغاز الإيرانية. هل من فشل أكبر من هذا الفشل؟
 
جاء وباء كورونا ليُكمل معاناة الإيرانيين من العقوبات الأميركية. بدل أخذ العلم بأن إيران دولة من دول العالم الثالث، في أحسن تقدير، هناك نوع من المكابرة يمارسه النظام الذي لم يكتف بتصدير السلاح والميليشيات المذهبية إلى العراق وسوريا ولبنان، بل صار يصدّر إلى هذه الدول الكورونا أيضا.
 
لعلّ آخر دليل على رفض النظام في إيران الاقتناع بأنّ فترة السماح، المعطاة له أميركيا انتهت، إرساله وفدا إلى بغداد برئاسة الأدميرال علي شمخاني الأمين العام لمجلس الأمن القومي في محاولة واضحة لملء الفراغ الناجم عن تصفية الأميركيين لقاسم سليماني قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الإيراني. كان سليماني بمثابة المفوّض السامي الإيراني في العراق منذ العام 2003 تاريخ تسليم إدارة جورج بوش الابن العراق على صحن من فضّة إلى إيران. هناك عجز إيراني عن الاعتراف بأنّ شامخاني، وهو من أصول عربيّة في الأحواز، لا يستطيع شيئا في العراق حيث الوضع في غاية التعقيد، وأنّه بعد 17 عاما على دخول الأميركيين إلى بغداد، تبيّن أن العراق يبقى العراق، وأن إيران تبقى إيران. هذا هو الواقع الذي تأكد مع فشل محمد توفيق علّاوي في تمرير حكومته في البرلمان العراقي، وهي حكومة إيرانية أراد فرضها مقتدى الصدر وهادي العامري على العراقيين.
 
لن تُنقذَ المكابرة النظام الإيراني الذي لا يستطيع مواجهة كورونا ولا ما هو أقلّ خطورة من كورونا. ما هو أقلّ خطورة من كورونا التصالح مع الواقع ومع الإيرانيين أنفسهم.
 
هذا ما يرفضه أيضا النظام الجزائري الذي يرفض القيام بالإصلاحات المطلوبة كي لا يعود تحت رحمة أسعار النفط والغاز التي ليس ما يشير إلى أنّها ستتحسّن قريبا في ضوء العناد الروسي الذي تعكسه الرغبة في خوض حرب أسعار، خاسرا سلفا، مع المملكة العربية السعودية.
 
يُفترض في النظام الجزائري أن يكون تعلّم من أحداث العام 1988، في عهد الشاذلي بن جديد. في أساس تلك الأحداث هبوط أسعار النفط واكتشاف النظام أنّ مؤسسات الدولة باتت عاجزة عن رشوة المواطن بتقديمات تجعله ساكتا وراضيا، بدل حثّه على العمل الجدّي في قطاعات مثمرة. بين 1988 و1998، مرّت على الجزائر عشر سنوات صعبة سمّيت “سنوات الجمر”. في 2019، جاء التخلّص من عبدالعزيز بوتفليقة الذي استفاد عهده إلى حدّ كبير من ارتفاع أسعار النفط والغاز، من دون طرح الأسئلة الحقيقية المتعلّقة بالحاجة إلى تغيير جذري في ذهنية النظام وسلوكه. لم يقتنع النظام، الذي في أساسه المؤسسة العسكرية التي وضعت عبدالمجيد تبّون في الواجهة، بضرورة حصول هذا التغيير في الذهنية. يلخّص الامتناع عن هذا التغيير التدهور الذي يبدو أن الجزائر مقبلة عليه على كلّ صعيد بعدما عجز النظام عن التصالح مع الواقع ومع الناس.
 
لا يمكن اعتبار التخلّص من عبدالعزيز بوتفليقة والحلقة الضيقة المحيطة به إنجازا، علما أن في أساس التخلّص من بوتفليقة تحرّكا شعبيا مستمرا منذ ما يزيد على سنة. الإنجاز يتحقّق في اليوم الذي يتبلور فيه نظام جديد لا علاقة له بالمؤسسة العسكرية المهيمنة منذ العام 1965 على البلد.
 
هل تتغيّر الجزائر يوما؟ هل تتغيّر إيران يوما؟ الكثير سيعتمد على النظام القائم في البلدين ورغبتهما في تفادي تفتت للبلدين، على غرار ما هو حاصل في سوريا الآن.
 
هل يعي النظامان أن الهروب إلى الخارج ليس سياسة، وأنّ في استطاعة كلّ من البلدين أن يكون أفضل بكثير مما هو عليه، بدءا بالتصالح مع شعبه وانتهاء بالتصالح مع جيرانه…