صورة أبكت الملايين حول العالم وستدخل التأريخ ولاشك أسوة بما سبقها من صور انسانية مماثلة خلدتها الألبومات والذاكرة البشرية لمسن صيني تجاوز الثمانين من العمر وهو يتأمل منظر غروب الشمس مع طبيبه الذي ظهر مرتديا أقنعة الوقاية من الأوبئة بالكامل وذلك لأول مرة منذ شهر تقريبا كان محتجزا خلالها داخل إحدى ردهات المستشفى في مدينة ووهان مركز إنتشار وباء كورونا طيلة الفترة الماضية ربما تكون المشاهدة الاخيرة له لقرص الشمس حتى أطلق على الصورة التي انتشرت انتشارا كبيرا في مواقع التواصل”الغروب الاخير”.
 
ولله در القائل :
 
إِذا هَبَّت رِياحُكَ فَاِغتَنِمها..فَعُقبى كُلُّ خافِقَةٍ سُكونُ
 
وَلا تَغفَل عَنِ الإِحسانِ فيها..فَما تَدري السُكونُ مَتى يَكونُ
 
 
هذه الأبيات الرائعة التي لطالما رددها الشيخ الجليل الدكتور عبد الجليل الفهداوي رحمه الله تعالى في خطبه التي لن تتكرر بجامع – فخري شنشل – أيام الحصار الأميركي الغاشم على العراق قبل أن تطاله يد الغدر الآثمة برصاص مجهولين في صلاة الفجر حين أصبح إماما لمسجد آخر بعيد الغزو الاميركي الظالم 2003، كما طالت المئات من إخوانه من أئمة وخطباء ومؤذني ومصلي المساجد الأطهار رحمهم الله جميعا وأسكنهم فسيح جناته في جرائم ضد الانسانية لن تسقط بالتقادم إطلاقا بكل تأكيد .
 
وإن كنت أعجب فعجبي من هذا الرعب الكبير الذي أصاب العراقيين وهذا الهلع من كورونا،أقول أعجب لأن ما قتله”السرطان “بكل أنواعه ويقتله يوميا من العراقيين من جراء اليورانيوم الامريكي المنضب الذي ألقي على بلادهم أطنانا ولوث ترابهم وماءهم وأجواءهم لقرون مقبلة من دون إتخاذ أي إجراء يذكر يفوق ما سيفعل كورونا حتى فيما لو تحول لا قدر الله الى جائحة وبائية، ما قتله التهاب الكبد الفايروسي أكبر من كورونا،ما قتلته المواد الغذائية التالفة والمسرطنة المستوردة والمعبأة بعلب تحمل تواريخ نفاد مزيفة بعضها يصنع في البتاويين والتي تدخل الى العراق بالاطنان من المنافذ الحدودية إياها أكبر مما سيفعله كورونا ،ما فعلته الادوية -الاكسباير- المستوردة من مناشئ مجهولة أكبر مما يفعله كورونا ،ما تقتله عصابات الجريمة المنظمة ومن لف لفها من المجموعات والجماعات المسلحة المنفلتة أكبر من كورونا،ما قتله الارهاب أسوأ من كورونا ،ما قتلته الأخطاء العسكرية أتعس من كورونا ،ما قتلته المخدرات التي تخترق حدودنا بأنواعها أكبر من كورونا،ما قتلته الدكات العشائرية بأنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة أكبر من كورونا،ما قتله الانتحار اكبر بكثير من كورونا،ما قتله الطرف الثالث من المتظاهرين السلميين المطالبين بحقوقهم المشروعة في الساحات والميادين أقذر من كورونا ،ماقتلته الالغام والمقذوفات غير المنفلقة وعددها في العراق ” 25″مليون لغم ارضي أكبر من كورونا ،ما قتلته الحوادث المرورية على طرق الموت غير المعبدة جيدا وبسايد واحد أكبر من كورونا،ما قتلته الأخطاء الطبية ونقص الطواقم الصحية وشح الدواء وتقادم الاجهزة في المستشفيات الحكومية اكبر من كورونا ،كورونا ليس الاخطر بل ما ذكرته لكم وما خفي أعظم ،واذا كانت الوقاية من كورونا تتطلب النظافة والتعقيم والتطهير والحجر وقلة الاختلاط ولبس الكمامات وكل هذا الرعب والهلع الشعبوي،ترى من الذي سيعقم العراق ويطهره من بقية الآفات والأمراض والأفكار والبدع والضلالات والملوثات الوافدة بنفس الهمة – الكورونية -وبذات الهلع الجماهيري الدافع للتطهير الفوري ؟!
 
كورونا ليس البلاء الأكبر الذي عم بلاد المسلمين بل هو من أحطها قدرا وأقلها خطرا اذا ما قيس بسواه من كوارث ألمت بالأمتين العربية والاسلامية من المحيط الى الخليج الا أن الفارق الوحيد الذي دفع الناس الى كل هذا الرعب الجماعي هو لأن المصائب قبل كورونا كانت تصيب أقواما من العرب والمسلمين من دون سواهم فكان الآمنون لا يرتعبون ولا يقلقون لشأن غير الآمنين وربما لا يأبهون بهم كذلك بخلاف ما يحصل اليوم حيث الوباء يجتاح الكل ولا يفرق بين غني وفقير،بين أمير وحقير،بين كبير وصغير،وأقول للجميع حاولوا دائما أن تتذكروا بأن عدم إهتمامكم بما يصيب إخوانكم لدليل صارخ على قسوة قلوبكم وتبلد مشاعركم وجمود احاسيسكم ،وخطر طائفيتكم ،شخصيا أعرف من الخيرين من يعالج نفسه ويقي أهله من الأمراض والمصائب بكثرة الدعاء للآخرين من أصحاب البلايا ليل نهار، في السراء والضراء ،سرا وجهرا،عرفهم أم لم يعرفهم ،وافقوا طائفته وقوميته ودينه أم لم يوافقوا ،فما بالك بمن يساعدهم ماديا وطبيا ومعنويا وفي ذلك يقول النبي الاكرم صلى الله عليه وسلم :” لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” وقوله صلى الله عليه وسلم :”مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”، وأنوه الى أن هناك أزمة حادة في فهم وإستيعاب النوازل واشكالياتها لدى عوام الأمة اذ إن ما إطلعت عليه من سوء فهم وخلط وتفسيرات خاطئة للكوارث والأوبئة علاوة على طرق علاجها والوقاية منها خلال الأيام الماضية مصحوبة بتساؤلات حائرة”هل هي عقاب رباني ،إختبار،انتصار للمسلمين على من سواهم،على بعضهم بعضا،فتنة،استدراج ،عذاب للمسلمين لعلهم يتوبون ويرعوون ونحو ذلك “إنما يعكس حجم الإرباك الجمعي في التعامل مع الكوارث والأوبئة والأمراض السارية ما يتطلب التقويم والتوضيح من قبل المتخصصين!
 
ولايفوتني هنا أن أشكك بالأنباء التي تحدثت عن إصابة 10 نواب في البرلمان العراقي بكورونا وغايتها تأجيل إنعقاد جلسة البرلمان المقبلة وبالتالي تأجيل التصويت على مرشح رئاسة الوزراء الجديد للحكومة الانتقالية والابقاء على حكومة عبد المهدي كما هي لفترة قد تطول وقد تقصر،وشاهدي في ذلك أن أي مصدر لم يذكر أسماء النواب المصابين ولن يذكر ذلك حتى إن أحدهم قال(المشكلة الأساسية هي أن النواب الذين يصابوا بالمرض لن يصرحوا وسيخفون إصابتهم) وهذا ليس معناه ان أحدا من النواب والساسة لن ولم يصب بالوباء انما الاعلان عن ذلك على غير سبق مثال هو ما لفت الانتباه اذ إن المعتاد في مثل هذه الحالة إستخدام العبارة المنقذة في المواقف المرحجة “سنفتح تحقيقا بالموضوع”ليركن الموضوع وملف التحقيق على الرفوف لحين الطلب وغالبا ما يكون للضغط والابتزاز السياسي لا اكثر،أما أن يسرب الخبر عبر مصدر رفض الكشف عن هويته “فهذه يرادلها روحة للقاضي “ومهما يكن من أمر فلعل الغروب الأخير لكل ما كانت تراه البشرية خارقا من صناعاتها وأجهزتها ومعداتها ومختبراتها ومؤسساتها ولقاحاتها قد تهافت على يد أضعف جند الله على وجه الارض – كورونا- مما يحتاج الى تكبير لأكثر من 1500مرة عبر المجاهر الالكترونية ليرى بالعين = الشروق الأول للبشرية وقد عرفت حجمها الحقيقي أمام عظمة الخالق وبديع صنعه لعل البشرالى خالقهم يعودون ،يتوبون،يستغفرون ولأنفسهم ولعاداتهم البالية كليا يغيرون !
اودعناكم اغاتي
 
 
احمد الحاج