أقدمت السعودية على خطوة لا سابقة لها في مثل هذه الحالات. قرّرت وبدأت فوراً في إجلاء رعاياها من أقرب الدول إليها جغرافياً وتاريخياً وسياسياً واجتماعياً. بكلام آخر، وضعت الدولة صحّة مواطنيها فوق كلّ اعتبار ومن دون التردّد لحظة واحدة فيما يُقال أو ما سيُقال أو ما قيل وقال. الحلّ الآخر كان أن ترى الرياض ما تراه وتنكره وتصرّ على نكرانه وتحوّل المسألة إلى كارثة تعمّ الجميع. وفي سابقة تاريخية أخرى، أعلن رئيس وزراء إيطاليا بنفسه حالة طوارئ في البلاد، وكأنّه يعلن هزيمة إيطاليا في حرب عالمية. لكنّ المسألة هنا ليست الكبرياء الفارغة والعجرفة التافهة، وإنّما صحّة الناس والبشر واقتصادهم ومستوى معيشتهم. لا مفاجأة في الأمر، لأنّ هذا هو المطلوب من الدول السويّة التي تخوض أحياناً حرباً عالمية من أجل بضعة مواطنين.

 


في مقابل مفهوم الدولة هذا، شهد العالم مفهوم الثورة في إيران وكوريا الشمالية. تقع الأخيرة ما بين الصين وكوريا الجنوبية، الدولتان الأكثر تأثّراً بالفيروس. والأولى هي منشأه في أي حال. فهل يُعقل أن تمتلئ إيطاليا وإيران والسفن اليابانية، بالإصابات، وتبقى كوريا الشمالية بلا إصابة واحدة؟ الجواب، بسرعة ودون تردّد: نعم، يُعقل. فهي محصّنة بخطابات وأفكار وتعاليم، المؤسّس العظيم كيم إيل سونغ. كلّ صباح، يتلو الطلّاب والجنود والفلّاحون قولاً من أقواله. بينما ليس لدى الصين كيم إيل سونغ ولا ابنه ولا حفيده، ولا لديها مجموعة صواريخ يتسلّى بها الزعيم المحبوب بإطلاقها بعد العشاء، صوب اليابان، لكي يعكّر وقت الشاي على الإمبراطور.
الحقيقة، أنّ كورونا مثل جميع الكوارث الطبيعية، كان امتحاناً لجميع الدول. الرئيس الصيني، شي جينبينغ، يجول بنفسه على المختبرات، فيما جاره الباسم في كوريا الشمالية، يشرف بنفسه على إطلاق الصواريخ التي تشبه إلى حدّ بعيد، صواريخ الثورة الإيرانية ومنطقها ودورها في هذه المرحلة من حياة البشر.


مُنعت الحكومة اللبنانية الجديدة من وقف الرحلات القادمة من إيران، في حين أعلنت الحكومة الإيرانية نفسها منع السفر داخل البلاد. وقبل يومين فقط، وصلت من ميلانو طائرة عليها 75 راكباً، فيما يعلن رئيس الوزراء الإيطالي أنّ مدينة الأزياء الجميلة هي منشأ الوباء في البلاد. ويفهم المرء – إذا شاء – أن تخضع الحكومة للمشيئة الإيرانية، كما هو الحال في قضايا كثيرة أخرى، لكن من الصعب أن نفهم، تحت أي ضغط فُتح المطار أمام الطائرات القادمة من إيطاليا.


يقول المثل القديم إنّ درهم وقاية، خير من قنطار علاج. وفي هذا الامتحان، أثبتت الأمم دورها كدولة من خلال إجراءات الوقاية. وإذا كانت الصين قد حلّت بالدرجة الأولى، بسبب ظروفها الطبيعية، فإنّ السعودية، بلا شكّ، أظهرت الفائق الهائل بين مسلك الدولة ومسلك الثورة. أوّلاً، في قرارات العمرة وأقدس الأماكن. وثانياً، في عزل منطقة القطيف. وثالثاً، في إجلاء الرعايا من الكويت. الدولة لا تغامر، لا بالوطن ولا بالمواطنين.