وقعت الواقعة، وأعلن لبنان تخلّفه عن دفع سندات «اليوروبوند» في موعد استحقاقها، وعينه على ما بعد هذا القرار، وكيف سيتلقفه الدائنون.
 

كل تقديرات وتوقعات الخبراء الاقتصاديين والماليين، تتقاطع عند نقطة الخطر وتتفق على انّ لبنان انضمّ الى نادي الدول المفلسة او هو على شفير الإفلاس، وانّه مع اعلان رئيس الحكومة حسان دياب لقرار عدم القدرة على دفع ديونه، فُتحت امام البلد صفحة جديدة، وأُطلقت اشارة دخول لبنان في رحلة طويلة فيها كثير من التعب والوجع.

 

مع هذا الإنحدار، لم يعد ثمة مجال لسياسة التجاهل ودفن الرؤوس في الرمال. فقد صار مصير البلد على المحك، وبمعنى أدق، صار البلد امام احد امرين: إما ان يبقى، او لا يبقى. ولكن كيف؟

 

يقول احد الخبراء في الاقتصاد والمال، «انّ لبنان، ومع اعلان قرار عدم دفع السندات، كمن قفز من طائرة محلّقة على ارتفاع شاهق، وهو شبه فاقد للوعي، والمطلوب منه في هذه الحالة ان يستغل ما تبقّى لديه من وعي، ويتحكّم بـ«الباراشوت» ليتمكّن من الهبوط الناعم ويصل سليماً الى الارض، والاّ لن يفتح معه «الباراشوت» وسيهوي سريعاً، وهنا تكون الكارثة».

 

فمشكلة لبنان الاساسية، كما يقول الخبير، تأتت جرّاء السياسات الاقتصادية والمالية الفاشلة، والتي غطّاها طغيان سياسي على المصالح، وبالحديث الدائم عن علاجات وإصلاحات على كل المستويات، من دون ان يُنفّذ ولو جزء يسير منها. يعني ذلك انّه كان هناك كذب فقط، ولا تنفيذ. اما الآن، فإنّ التحدّي هو، هل ستنقلب ذهنيات السلطة الحاكمة، وتكون على قدر المسؤولية، وعلى قدر المهمة الإنقاذية التي يتطلبها مأزق البلد؟ ثمة مثل يقول فلنلحق الكذاب الى باب الدار، وفي وضعنا الحالي فلنلحق السلطة الى باب الدار.

 

في تشخيصه للمأزق، كان رئيس الحكومة واقعياً، لم يبالغ في عرض الصورة، واظهر بعضاً من التماسك حيال سوداويتها، واقرّ من دون ان يقول بأنّه لا يملك عصا سحرية لاحتواء هذا المأزق، وكسر أغلال الازمة التي تخنق البلد، ومع ادراكه للقدرات الضعيفة لحكومته، قال انّها ستعمل وستخوض التحدّي الصعب، واول شروط تمكنّها من ربح هذا التحدّي، هو تجاوز الانقسام السياسي الداخلي، والتفاف كل القوى السياسية حول هذه المهمة الإنقاذية، وعدم إدخالها في بازار الاستثمار السياسي على حساب البلد، والشراكة الكاملة فيها لأنّ المصيبة وقعت وانتهى الامر، والجميع في مركب واحد.

 

لكن رئيس الحكومة في هذه الجزئية يبدو انّه يطلب المستحيل، ذلك انّ هذا الانقسام هو احد العناوين الدائمة للحياة السياسية، لا بل هو القاعدة الثابتة في لبنان. واما تضييقه، فهو نوع من الاحلام غير القابلة لأن تتحقق تحت اي ظرف، وحتى ولو كان مصيرياً على ما هو عليه الحال في هذه الايام.

 

معنى ذلك، انّ الحكومة ستكون وحدها في الميدان في مواجهة ثلاث جبهات:

 

- الاولى، جبهة الدائنين، والتي لا يجوز التقليل من حساسيتها، او خداع النفس بأنّ موقف لبنان قوي فيها. وفي هذا السياق، يبرز كلام لأحد كبار المراجع يقول فيه ما حرفيته: من الآن فصاعدًا ما على اللبنانيين سوى الدعاء، بالمسيحية نقول: «يارب تنجِّينا».. وبالإسلام نقول: «اللهم لا نسألُك ردّ القضاء ولكن نسألك اللطف فيه».

 

- الثانية، جبهة المعارضة الداخلية، التي لا يبدو انّها ستكون شريكة في مهمة الإنقاذ، بل يُخشى ان تكون عاملاً معرقلاً للمسار الحكومي في معركته الصعبة. واول غيث هذا المنحى تبدّى سريعاً، بحيث لم يكد دياب يُنهي كلمته حتى عبّر الانقسام الداخلي عن نفسه عبر تغريدات تجاهلت مأزق البلد الاقتصادي والمالي، وعزفت على وتر التشفّي السياسي ودعوة الحكومة الى الرحيل.

 

- الثالثة، الجبهة الداخلية ضمن الفريق السياسي الذي يغطّي الحكومة، حيث يُخشى من ثبات بعض مواقع السلطة على النهج المدمّر المُتهمة بسلوكه، وذهنية التعالي والاستئثار وتغليب منطق «مصالحنا فوق كل اعتبار، وممنوع الاقتراب الى حصصنا ومحمياتنا»، على اي خطوات إنقاذية قد تُقدم عليها الحكومة، وهذا معناه التعطيل والفشل الحتمي لمهمة الانقاذ، وبالتالي مزيد من الانحدار. وهنا تكمن الخطورة الكبرى.

 

منطق الامور هو التأكيد على أنّ الحكومة محكومة بعبور طريق الزامي وحيد للإنقاذ، والوقت سيف قاتل، ولم تعد الحكومة تملكه اصلاً، والمهم قبل كل شيء، ان تقدّم للناس جرعات سريعة ومتتالية، تعبّر عن هذا المنحى الإنقاذي، انما بصدق وشفافية، وهذا ما يشكّل الوصفة الملائمة لكي يحتضن الناس حكومتهم، وتجعلهم يتفاعلون ايجاباً مع اي خطوة تُقدم عليها حتى ولو كانت موجعة.

 

في هذا السياق، انشغل الفريق السياسي المغطي للحكومة، منذ بضعة ايام في إعداد ما سُمّيت «خطة انقاذية شاملة، نقدية، مالية، اجتماعية» ، قد تشكّل خريطة طريق تسلكها الحكومة في الايام المقبلة، وقد تضمنت الافكار الآتية:

 

أ- نقدياً:

 

- اولاً، وضع نظام كامل متكامل لتقييد وتنظيم خروج رؤوس الأموال ( Capital Control) وتشريعه بشكل يتضمّن المعاملات المصرفية كافةً (داخلياً وخارجياً) لجنة الـ 5، للاتفاق على نص وتدابير موحّدة ومن ثمّ إقرارها (Bail in)

 

- ثانيًا، تحويل جزء من الودائع بالليرة والدولار الى اسهم في المصارف باستثناء صناديق التقاعد والضمان. (او Tax متناسبة مع المدّة والقيمة والفوائد + ضريبة على الثروات).

 

- ثالثاً، تخفيض الفوائد على المدينين، وعلى إيداعات الزبائن، وايداعات المصارف بما فيها سندات الخزينة لدى مصرف لبنان.

 

- رابعاً، اعادة هيكلة وبرمجة الدين العام (قيمة - مدد - فوائد - فترة سماح) لتصبح على مسار منحدر ومستدام وصولاً الى نسبة 100% من الناتج القومي الاجمالي (GDP).

 

- خامساً، المحافظة على استقرار سعر العملة الوطنية مع اعتماد المرونة للتصحيح التصاعدي التدريجي.

 

- سادساً، اعادة هيكلة القطاع المصرفي ودمج المصارف ومحاولة ادخال رساميل خارجية.

 

 

 

ب- ماليًا:

 

- اولاً، تصفير العجز في الموازنة باستثناء النفقات الاستثمارية (او الفائض الأولي بما فيه النفقات الاستثمارية اكبر من خدمة الدين او يعادله).

 

- ثانياً، إعادة هيكلة انظمة التقاعد والضمان الاجتماعي وتحديثها وتوحيدها وزيادة الاقتطاعات الضريبية ووقف الاستفادات غير المبررة بهدف الحفاظ على حقوق المضمونين.

 

- ثالثاً، وقف كل مزاريب الهدر والفساد في الموازنة، وتنفيذ كل قوانين واجراءات مكافحة الفساد.

 

- رابعاً، ضبط كل المداخيل (شرعي وغير شرعي) ووضع نظام ضرائبي تصاعدي جديد قائم على صحن ضريبي موحّد للأسرة.

 

- خامساً، الكهرباء.

 

ج- اقتصادياً:

 

- اولاً، McKinsey.

 

- ثانياً، Cedre - CIP.

 

- ثالثاً، تصدير وتنافس.

 

د - إجتماعيًا:

 

- 1 شبكات الحماية الاجتماعية (Safety Net).

 

هـ - التشركة:

 

في مرحلة لاحقة، إنشاء Trust Fund توضع فيه بعض اصول الدولة القابلة للتصرّف مع ابقاء غالبيتها للدولة، بغية تحسين الخدمات فيها وضخ بعض السيولة والاستثمارات لاحقاً، بما يحفظ الحق السيادي للدولة عليها ويؤمّن المساواة والعدالة والانماء المتوازن بين اللبنانيين.