نزع المدعي العام التمييزي غسان عويدات ليل أمس، فتيل التفجير مع المصارف بتجميد قرار المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم ومفاعيله الذي وضعَ إشارة «منع تصرُّف» على أصول 20 مصرفاً لبنانياً الى حين درس تأثيره على النقد الوطني وعلى المعاملات المصرفية وأموال المودعين وعلى الأمن الإقتصادي. وجاء قرار عويدات بمثابة فعل إنقاذ للوضع السياسي المتأزم الذي يضع البلاد على مفرق طرق خطِر جداً، خصوصاً إذا كانت المصلحة الوطنية مهدَّدة.
 

صدر أمس عن القاضي عويدات بيان جاء فيه: «التدبير المتخذ من النائب العام المالي بمعزل عن صوابيته أو عدمه هو تدبير إداري موقت يمكن الرجوع عنه أو تجميده متى أصبحت المصلحة الوطنية مُهدّدة».

 

ولفت عويدات الى أنه «وردنا من مصادر موثوقة، أن السلطات المالية الدولية تنوي وباشرت في إيقاف التعامل مع المصارف والهيئات المالية اللبنانية، وفرضت ضمانات للعمل معها»، مضيفاً: «قرّرنا تجميد القرار المتخذ ومفاعيله إلى حين درس تأثيره على النقد الوطني وعلى المعاملات المصرفية وعلى أموال المودعين وعلى الأمن الاقتصادي».

 

ورأى القاضي عويدات أن «الإستمرار بتدبير كهذا من شأنه إدخال البلاد وقطاعاته النقدية والمالية والإقتصادية في الفوضى، ومن شأنه إرباك الجهات المعنية بدراسة سبل الحلول والسيناريوهات المالية التي هي قيد الإعداد لمواجهة الأزمة التي تمرّ بها البلاد».

 

إبراهيم

 

وكان النائب العام المالي القاضي علي ابراهيم قرر وضع إشارة «منع تصرّف» على أصول 20 مصرفاً لبنانياً، وإبلاغها الى المديرية العامة للشؤون العقارية وأمانة السجل التجاري وهيئة إدارة السير والآليات وحاكمية مصرف لبنان وجمعية المصارف وهيئة الأسواق المالية. كما عَمّم منع التصرف على أملاك رؤساء مجالس إدارة هذه المصارف.

 

أمّا المصارف التي وضعت إشارة «منع تصرُّف» على أصولها فهي:

 

بنك عودة، بنك لبنان والمهجر، فرنسبنك، بنك بيبلوس، بنك سوسيتيه جنرال، بنك بيروت، بنك البحر المتوسط، بنك اللبناني الفرنسي، بنك الاعتماد اللبناني، بنك انتركونتينانتال، بنك فيرست ناشونال بنك، بنك لبنان والخليج، بنك بيروت والبلاد العربية، بنك الشرق الاوسط وافريقيا، بنك سيدروس، بنك فدرال لبنان، الشركة الجديدة لبنك سوريا ولبنان، بنك الموارد، بنك اللبناني السويسري، بنك مصر لبنان وبنك سرادار.

 

ولوحظ انّ القاضي ابراهيم أصدر قراره من دون ان يضمّنه تبريرات قانونية او طبيعة التهم الموجهة الى من شملهم القرار.

 

وفيما نقلت وكالة «بلومبرغ» عن مصدر قضائي، لم يكشف عن هويته، انّ تطبيق هذا القرار لا يزال يحتاج الى موافقة حاكمية مصرف لبنان، أشار مصدر قانوني لـ«الجمهورية» الى ان لا حاجة لموافقة المركزي لتطبيق القرار القضائي.

 

قرار القاضي ابراهيم جاء بعد 3 أيام على استجواب رئيس جمعية المصارف سليم صفير ورؤساء مجالس الإدارة وممثلين لـ 14 مصرفاً لبنانياً، في موضوع تحويل الأموال إلى الخارج، بعد 17 تشرين الأول الماضي، وعدم تمكين المودعين من السحب بالدولار من حساباتهم ووقف عمليات التحويل إلى الخارج للمودعين كافة، الى جانب موضوع الهندسات المالية وبيع سندات اليوروبوندز اللبنانية إلى الخارج. فهل قرار القاضي ابراهيم هو حكم على ما أثبتته التحقيقات؟ وهل باتت المصارف متهمة بعدما أعلن رئيس جمعية المصارف سليم صفير امس الاول انّ اللقاء الذي جمع رؤساء مجالس اداراة البنوك مع المدعي العام المالي جاء في إطار الاستماع والاستيضاح وليس الاتهام؟

 

لا أحد فوق الغربال

 

من جهته، إستغرب النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم الضجة المضخّمة، حول قرار وضع إشارة «منع تصرف» على أصول 20 مصرفاً، وقال: «هذا القرار هو ملف كغيره من الملفات القضائية التي نتابعها، فمنع التصرف بالأصول يعني بكل بساطة أنه ممنوع التصرف بالأسهم والعقارات والسيارات والممتلكات والمباني».

 

وعن مدى قدرة هذه الخطوة على حماية أموال المودعين، أكد إبراهيم أنها «لا تحمي فقط المودعين إنما تُحدث أيضاً هزّة كبيرة للمصارف، إذ إننا بذلك نقول لهم «لا يعتقدنّ أحد منكم أنه فوق الغربال».

 

وعن الخطوات التي ستلي هذا القرار، أوضح ابراهيم أنه «سيتابع العمل في إطار استكمال التحقيقات، بحيث لا تتعلق فقط بالأشخاص إنما بطلب المزيد من الأوراق والوثائق والمستندات لاستكمال التحقيق».

 

الضرر معنوي

 

الى ذلك، طمأن المحامي بول مرقص ان لا تأثير مباشراً لقرار القاضي ابراهيم على اموال المودعين، بل تأثيره الكبير معنوي، ولو بشكل غير مباشر على المصارف والقطاع برمّته، وهو ما يعرف بـreputational risk.

 

وأبدى مرقص خشيته من أن تحذو المصارف الدولية المراسلة للمصارف اللبنانية correspondant banks التي تحول الاموال بواسطتها الى مزيد من الانسحاب من الساحة المالية اللبنانية de-risking.

 

واعتبر انّ هذا القرار هو تدبير احترازي تقوم به النيابة العامة منعاً لتبديد اموال منقولة وغير منقولة حفظاً لحقوق الغير، ولكنه ليس قراراً في اساس القضية ولا يعني بالضرورة إدانة لجميع هؤلاء. وأكد ان هذا القرار لا يعني مطلقاً انّ اصحاب المصارف مُدانون.

 

وتساءل مرقص: طالما هذا القرار شمل الاصول كيف يمكن للمصارف غداً ان تحرك حساباتها لدى مصرف لبنان؟ وكيف لها ان تسحب شيكات على حساباتها في مصرف لبنان؟ وأوضح رداً على سؤال، انّ اشارة «منع التصرف» على اصول المصارف تطال الاملاك والعقارات والسيارات والاسهم الى جانب الاملاك الشخصية لرؤساء ومجالس إدارة هذه المصارف.


 
 

وتابع: انّ تبليغ المديرية العامة للشؤون العقارية وأمانة السجل التجاري وهيئة إدارة السير والآليات وغيرها من المراجع بهذا القرار يصبّ في خانة حسن تطبيق القرار.

 

معاقبة المصارف تعسُّف

 

من جهته، وفي تعليق على قرار القاضي ابراهيم، أكد نائب حاكم مصرف لبنان السابق غسان عياش لـ»الجمهورية» أنّ الكثير من السياسات النقدية والمصرفية التي اتّبعت في السنوات الاخيرة هي موضع نقد أكيد، بسبب تحمّلها النسبة الأكبر من المسؤولية عمّا آل إليه الوضع النقدي والاقتصادي في لبنان.

 

لكنّ معاقبة النظام المصرفي عن أخطاء لم يرتكبها ومحاسبته عن أمور لا يمنعها القانون، مثل تحويل الأموال إلى الخارج قبل صدور قانون لتقييد حرية رؤوس الأموال يعتبر نوعاً من التعسّف واستعمالاً للقضاء بطريقة غير عادلة.

 

ووضَع عياش 3 ملاحظات على قرار النائب العام المالي:

 

أولاً: إختار القضاء المالي محاسبة المصارف على أقل العناصر تأثيراً في الأزمة الراهنة. فتحويل الأموال الى الخارج لم يكن له تأثير على أزمة السيولة، إنما الأزمة تعود بالدرجة الأولى الى دعم سعر صرف الليرة اللبنانية بالقوة، فنتج عنه تبديد لسيولة المصارف بالعملات الأجنبية.

 

ثانياً: سوء إدارة الإدّخارات الوطنية عن طريق تركيز الاستثمار في تمويل دولة فاسدة وعاجزة عن القيام بأدنى الواجبات الإصلاحية، والتمادي في الهدر والفساد وسلب مستقبل الاجيال اللبنانية.


 
 

ثالثاً: إنّ معاقبة المصارف عن طريق تجريد حملة جماعية تطال أهم المؤسسات المصرفية تَشي بإخضاع الاقتصاد الى نوع من الحكم القمعي، وهذا يضع مستقبل النظام المالي اللبناني على المحكّ.