انقسامات السياسيين الشيعة حول تمرير مرشح لرئاسة الوزارة كشفت حالة اليأس التي تعيشها أطراف معسكر طهران في العراق، خصوصا أولئك المرتبطين بالبندقية كخيار لحل الأزمات والتي كانت وسيلتهم الوحيدة في التعامل مع شعب العراق منذ عام .2003
 

لمرتين خلال عشرة أيام سمع العراقيون على لسان قادة ميليشياويين يهددون أو ينقلون رسائل إيرانية بحرق العراق. الأولى وردت خلال مقابلة مقتدى الصدر التلفزيونية التي نقل من خلالها رسالة فُسرت أنها من طهران هددت فيها بحرق العراق إذا ما جاء رئيس وزراء من خارج كتلتي فتح وسائرون. والتصريح الثاني خرج من أحد زعماء كتائب حزب الله العراقي توعد فيه بحريق ينتظر العراق إذا ما تم اختيار مدير المخابرات مصطفى الكاظمي كرئيس للوزراء بعد فشل محمد علاوي، مطالبا بعودة عادل عبدالمهدي رغم ما قيل عن استجابته لرغبة المرجعية الشيعية في تركه المنصب.

 

قادة حزب الله العراقي هم أنفسهم الذين هددوا الرئيس برهم صالح بطرده من بغداد إن التقى بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، وقد التقى صالح بترامب على هامش مؤتمر دافوس الشهر الماضي ولم يتمكنوا من الاقتراب منه.

 

يتساءل العراقيون عن مغزى هذه التهديدات الهمجية وصلتها بعالم السياسة، أم إنها أقرب إلى عالم المافيات، أم هي مجرد ترديد أهوج للشعارات الإيرانية بحرق إسرائيل التي كانت غطاء لصفقات السلاح الإسرائيلي خلال الحرب العراقية الإيرانية، أم هي أقرب إلى التعبير عن حالة اليأس مثلما هدد صدام حسين بحرق نصف إسرائيل.

 

كشفت انقسامات السياسيين الشيعة حول تمرير مرشح لرئاسة الوزارة حالة اليأس التي تعيشها أطراف معسكر طهران في العراق، خصوصا أولئك المرتبطين بالبندقية كخيار لحل الأزمات والتي كانت وسيلتهم الوحيدة في التعامل مع شعب العراق منذ عام 2003. إلا أن الدخول في مرحلة التهديد الإيراني بحرق العراق إذا ما رُفضت خيارات الشيعة المرتبطين بها بتعيين رئيس وزراء جديد، يعني أن طهران في مرحلة اليأس بفقدانها للسلطة في بغداد بعد الثورة الشعبية العراقية في الأول من أكتوبر وفي مقدمة أهدافها تخليص البلد من النفوذ الإيراني.

 

تنبعث هذه النزعة العدوانية كلما توفرت لها الفرص، وآخرها في ظل حكم الخميني عام 1979 الذي استغل العامل المذهبي لشيعة العراق لأغراض سياسية قومية، لكنه خان ضيافتهم له لأربعة عشر عاما، فقاتل العراقيين بعد عام من تسلمه السلطة طيلة ثماني سنوات، ورفض دعوات السلام التي قدمها له صدام حسين بعد عام واحد من تلك الحرب لشعوره في ذلك الوقت بأن قواته ستجتاح العراق وتسقط نظامه وتقيم دولة ولاية الفقيه الإيراني. ثم تولى خليفته علي خامنئي مسلسل قتل العراقيين بعد احتلاله عام 2003 إلى حد اليوم. رغم أن شعب العراق لا يحمل حقدا تجاه شعوب إيران الجارة المسلمة التي تواجه ظلم هذا النظام واستبداده.

 

لو كانت لدى النظام الإيراني ووكلاؤه الثقة بأن العراق ما زال في قبضتهم لما وصلوا إلى التهديد بحرقه. فمن يمتلك الشيء وينتفع به لا يحرقه. ألم يحرقوا المدن العربية السنية في الموصل وصلاح الدين والفلوجة وديالى وكركوك بدوافع الحقد والكراهية الطائفية، ولم تكن لديهم أبجديات السلم الأهلي والحوار مع الآخر. كانت هذه الفصائل المسلحة، وما زالت، تمهد أرضية القرارات السياسية لزعاماتها في قتل المعارضين وتشريد المدنيين.