فجّرت حادثة مقتل عشرات الجنود الأتراك في إدلب موجة غضب في الشارع التركي، الذي طالب حكومته بالرد الحاسم، وسرعان ما استجابت القيادة التركية للمطالب الشعبية، وبدأت تحركا عسكريا ضد قوات النظام السوري، منفذةً الضربات تلو الضربات؛ حتى أعلن رسميا وزير الدفاع خلوصي أكار اسم "درع الربيع" على عملية بلاده العسكرية في إدلب، مما أثار جوا من الارتياح على المزاج التركي العام.
 
وأكد أكار في تصريحات صحفية أن العملية التركية مستمرة بنجاح، لافتا إلى أنه "تم تحييد أكثر من ألفي عنصر تابعين للنظام، وتدمير طائرة مسيرة، وثماني مروحيات، و103 دبابات، منذ انطلاق العملية".
 
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نشر تغريدة قال فيها "سنلقن درسا تاريخيا كل من يعتقد أنه قادر على حشر دولتنا في الزاوية"، مضيفا أن "تركيا باتت تمتلك الكثير من نقاط القوة بإدلب، وعلى رأسها القوة العسكرية والحضور الواسع في شمال غرب سوريا".
 
دعم شعبي
وشهدت مساجد تركيا تلاوة سورة الفتح قبيل أداء صلاة فجر يوم الثلاثاء، من أجل سلامة أفراد الجيش التركي ونصرة عملية "درع الربيع" في محافظة إدلب السورية.
 
وتضرع المصلون بالدعاء إلى الله عز وجل لنصرة الجيش التركي، وصون الجنود الأتراك، وتكليل جهودهم ومساعيهم بالنجاح.
 
 
وأثناء خروجه مستندا على عكازه من مسجد الحاج بيرم في أنقرة عقب أداء صلاة الفجر؛ أخذ الثمانيني التركي رمضان إتشيفك يتمتم قائلا "إسرائيل تقصف في سوريا وقتما تشاء دون أي اعتراض سوري أو دولي، لكن حينما تتدخل تركيا لتنقذ المظلومين يهاجمونها ويتصدون لها"، مضيفا "نحن نقف إلى جانب جيشنا المحمدي الذي ينصر المستضعفين وينتقم لدماء جنودنا الشهداء، وقد قرأنا سورة الفتح لأجله وندعو له بالنصر".
 
وفي هذا الإطار، قالت صحيفة "خبر ترك" إن أنقرة مصممة على صد نظام الأسد وردعه، رغم وجود عقبة وحيدة وهي المجال الجوي، موضحة أن "القوات التركية ستشن هجوما شديدا على أهداف للنظام السوري، إذا لم تنسحب من منطقة خفض التصعيد".
 
ونوهت الصحيفة إلى أن قوات النظام المتقدمة ميدانيا والقواعد التركية أصبحت متداخلة، لذلك فإن القوات التركية تحاول تحقيق أمن مناطق سيطرتها بالقصف المدفعي على المسافات القريبة، والمطلوب حاليا هو إبعاد قوات النظام عن القواعد التركية، وتخفيف الضغط عنها.
 
تطور عملياتي
وللمرة الأولى تدخل طائرات حربية تركية من نوع إف 16 على خطوط المواجهة وتسقط طائرتين حربيتين تابعتين للنظام السوري فوق منطقة جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي، واستخدام هذا السلاح من الممكن أن يقلب الموازين لصالح المعارضة، وفق خبراء عسكريين.
 
وقال الخبير العسكري المقرب من الحكومة التركية أرطغرل بيرقدار للجزيرة نت "أطلق الجيش التركي عملية درع الربيع بعد تعزيز وجوده في إدلب للمحافظة على اتفاق سوتشي في سياق عزمه على إعادة قوات النظام إلى ما قبل النقاط التركية بالقوة".
 
 
ويرى بيرقدار وجود ثقل عسكري تركي يستطيع أن يغير النتائج الميدانية، وهو ما لوحظ من خلال الساعات الأولى للعملية.
 
وأضاف أن تركيا تسعى "لتقليم أظافر" النظام وتجريده من التفوق الجوي، ويأتي ذلك من خلال إسقاط الطائرات والتشويش الإلكتروني ومنظومات الدفاع الجوي المتاحة، ويسهم تراجع حجم مشاركة سلاح الجو الروسي في الأمر.
 
ويؤكد الخبير العسكري أنه إذا جرى تحييد سلاح الجو السوري فسيكون ذلك تحولا وتوازنا عملياتيا، بدليل تحول المعارضة من التراجع والخسارات المتتالية إلى الهجوم.
 
 
وذكر بيرقدار أنه بحكم الجغرافيا المتلاصقة بين مسرح الأعمال القتالية والأراضي التركية، فإن ذلك يعد لصالح الجيش التركي، إضافة إلى العنصر البشري الذي تمتلكه المعارضة السورية، منوها إلى أن تركيا نقطة ضعفها فقط الطيران.
 
وأشار إلى أن تركيا أدخلت تقنيات متقدمة وصواريخ دفاع جوي للمعارك في إدلب، كما تمتلك جبهة داخلية متماسكة وغطاء سياسيا ومقدرات عسكرية، وهذه كلها معطيات تقف لصالح الجيش التركي في حربها الحالية.
 
 
وشدد الخبير العسكري التركي على أن الحملة الجوية بالطائرات المسيّرة كشفت عن قدرات أنقرة الهائلة في مجال الاستهداف الجوي في ظل دخول طائرات أف 16 على خطوط المواجهة.
 
وزاد بيرقدار بأن تركيا تواصل إرسال المزيد من القوات والعتاد إلى إدلب وجوارها بهدف التحضير لإنشاء منطقة آمنة رابعة هناك تعرقل تقدم قوات النظام السوري أكثر من ذلك، وتبقي مئات الآلاف من النازحين داخل أراضيهم بحماية دولية، وفرض نفسها على أية طاولة تناقش الملف السوري إقليميا أو دوليا.
 
أوراق تركية قوية
من جهته، ذكر أستاذ العلاقات الدولية بجامعة أرجيس التركية ياسين كوفانتش أن "أردوغان سيذهب إلى موسكو بأوراق قوية، والموقف التركي لم يعد كما هو عليه قبل استهداف الجنود الأتراك".
 
وقال كوفانتش للجزيرة نت "نحن على أعتاب مرحلة جديدة في تاريخ الصراع السوري، موازية لحجم هذه الانتصارات التي حققتها تركيا والمعارضة".
 
ولفت أستاذ العلاقات الدولية بجامعة أرجيس إلى أن حادثة مقتل الجنود الأتراك في إدلب أشعرت تركيا بأن المعركة في إدلب لم تعد قضية حسابات أمنية فقط، بل معركة وجودية أيضا.
اعلان
 
وأضاف كوفانتش "كانت تركيا بالتزامن مع عملها الدبلوماسي تركز على تقوية صناعاتها العسكرية، وعملت وما زالت على تطوير تصنيعها العسكري، لأنها لم تكن تأمن مكر روسيا والغرب أصلا".