ليس من المعقول أن يكون أردوغان وصيّا على السوريين الذين لا يعرف عنهم شيئا. وليس مقبولا ألا تملك الدول العربية تصورا عن مستقبل سوريا.
 

لا تزال هناك ملايين أخرى من السوريين على استعداد لبدء مسيرات نزوح جديدة في اتجاه أوروبا. تسع سنوات من الحرب ولم تتضح الصورة بعد. ما الذي يريده العالم من سوريا؟ سؤال يشبه لغما.

 

فالعالم الذي شرعن تدخله في سوريا لم يسأل السوريين عما يريدونه. فيما اكتفى السوريون برفع شعارات تخطتها الوقائع، صار الأمل بالنسبة لملايين السوريين يقع خارج سوريا لا داخلها. لذلك فإنهم يشعرون أن جنون رجب طيب أردوغان يناسبهم. الرئيس التركي يبتز أوروبا بهم. فهم بالنسبة له مجرد بضاعة. تلك صفة لا تستفزهم بعد أن أداروا ظهورهم لمنازلهم المهدمة.

 

لم تعد سوريا بالنسبة للسوريين مكانا آمنا، بالرغم من أنها كانت توصف قبل سنوات باعتبارها أكثر الأماكن السياحية أمانا في العالم. سوريا الحقيقية ذهبت إلى ذاكرة أغلقت أبوابها على الأوجاع الأخيرة لبشر هائمين، سيكون التيه ملاذهم الأسطوري.

 

كما لو أن الأقدام كانت على أهبة الاستعداد للحركة، فما إن فتح أردوغان حدود تركيا مع الاتحاد الأوروبي حتى كانت شرطة الحدود اليونانية على موعد مع موجة جديدة من المشائين السوريين.

 

لا أحد يريد أن يفهم أن أردوغان إنما يؤدي دورا قذرا في اتجاهين. فهو من جهة يريد أن يحصل على موطئ قدم في سوريا، ومن جهة أخرى يحاول أن يجبي الضرائب من أوروبا نظير ضبطه لحركة النزوح وتحكّمه بملف اللاجئين السوريين الذين تفضل أوروبا أن يبقوا تحت السيطرة. هناك تلازم بين المسارين.

 

استمرار الحرب في سوريا من خلال التدخل التركي، المباشر وغير المباشر، يمثل ضمانة لعدم عودة اللاجئين السوريين في تركيا إلى سوريا. عن طريق ذلك يتعامل أردوغان براحة مع الأوروبيين الذين يخضعون لشروطه.

 

ولكن الضربة السورية التي أدت إلى مقتل ثلاثين جنديا تركيا أصابته بالجنون، فصار يفكر في الانتقام في اتجاهات مختلفة. ينتقم من روسيا لأنها خذلته حين أوهمته بأن قواته لن تتعرض للهجوم. ينتقم من الأوروبيين الذين تركوه وحيدا في مواجهة هجرة متوقعة لمليون إنسان من إدلب. وأخيرا فإنه ينتقم من الولايات المتحدة التي لم تنظر إلى تدخله في سوريا بعين مرحبة، بعد أن اكتشفت أن لا جدوى من تدخلها.

 

في كل الأحوال فإن أردوغان يهدد العالم بالسوريين. الرجل الذي استباح سوريا أباح لنفسه أن يكون متحدثا باسم المعذبين السوريين الذين سيلقي بهم في البحر على قوارب مطاطية أو يتركهم يمشون إلى ما شاء قدرهم.

يعرف أردوغان أن مسيرة الشقاء السوري يمكن أن تبدأ بضغطة زر. أليس هناك من حل عربي لتلك المعضلة التي تنطوي على الكثير من الإذلال؟

 

صار واضحا أن أردوغان يلعب بورقة سوريا على حساب السوريين، في الوقت الذي صارت فيه الحكومة السورية على يقين من أن الشعب المسؤولة عنه صار أشبه ببضاعة تُعرض في مزاد. لذلك فإن تدخلا من جامعة الدول العربية، أو عدد من الدول العربية، يمكنه أن يعيد الأمور إلى سويتها.

 

ليس من المعقول أن يكون أردوغان وصيّا على السوريين الذين لا يعرف عنهم شيئا. وليس مقبولا ألا تملك الدول العربية تصورا عن مستقبل سوريا.

سوريا الحقيقية ليست نازحيها ولا مخيماتهم ولا قوارب الموت ولا صور الحفاة المنتظرين عند أسلاك الحدود. تلك صور واقعية تخون الحقيقة.

 

لا يزال في إمكان النظام أن يقدم خدمة لسوريا قبل زواله. أن يفشل خطة أردوغان في إدلب.

سيكون من الصعب على أردوغان أن يمارس لعبته في إدلب إذا ما شعر أن هناك دعما عربيا لسوريا من أجل الحفاظ على سيادتها.

 

يومها تنتهي مسيرة الشقاء السوري ويضرب أردوغان رأسه بالحائط الأوروبي.