أثار الكشف مؤخرا عن استخدام وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي أي) شركة تشفير سويسرية واجهة للتجسس على المراسلات الحكومية السرية لما يربو على مئة دولة على مدى عقود؛ أسئلة عديدة تتعلق بالأهمية التاريخية لتلك المعلومات، والبعد الأخلاقي للحدث.
 
صحيفة واشنطن بوست نشرت مقالا يسلط الضوء على أبرز الأسئلة التي أثارها الكشف عن عملية التجسس، والتي ما زالت تبحث عن إجابات، وأهمية كنز المعلومات السرية التي تحتفظ بها الاستخبارات الأميركية، بعد أن جمعتها على مدى عقود من خلال الشركة السويسرية "كريبتو إي جي" الرائدة عالميا في مجال صناعة أجهزة التشفير، والمملوكة سرا للسي آي أي والمخابرات الألمانية.
 
وتساءل المحلل السياسي بيتر كورنبلوه في مقاله المنشور بالصحيفة تحت عنوان "سي آي أي تلاعبت بأجهزة تشفير أجنبية لسنين عديدة.. ما الأسرار التي ينبغي أن تفرج عنها الآن؟"؛ عن المعلومات التي يعرفها المسؤولون الأميركيون حول الأحداث الرئيسية في تاريخ العالم الحديث؟ ومتى عرفوها؟ وكيف تصرف صناع القرار في الولايات المتحدة بناءً على المعلومات الاستخباراتية التي تم جمعها؟ وعما إذا كان على المسؤولين الأميركيين الكشف عن انتهاكات حقوق الإنسان التي تحدث أمام أعينهم أو وقفها؟ وهل كان على الولايات المتحدة التجسس على حلفائها وأعدائها على حد سواء؟ 
 
التاريخ رهينة
وأشار الكاتب إلى أن السؤال الأكثر إلحاحا هو: ما الذي ينبغي أن تفعله الولايات المتحدة بالكنز الهائل من الاتصالات التي اعترضتها وآلاف التقارير السرية التي فكت شفرتها، وغيرها من الملفات التي يغطيها الغبار الآن في مرافق وكالة الاستخبارات المركزية ووكالة الأمن القومي؟
 
وقال الكاتب إن إخفاء المخابرات الأميركية تلك الوثائق المتعلقة بالعديد من الأزمات والأحداث العالمية الكبيرة يعد بمثابة أخذ التاريخ رهينة، وإن الإفراج عن تلك المعلومات من شأنه تعزيز السجل التاريخي، ليس فقط في ما يتعلق بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة، بل في ما يتعلق بالأزمات والأحداث العالمية الرئيسية كالحروب والانقلابات والهجمات الإرهابية واتفاقيات السلام على مدى خمسة عقود أيضا.
 
وأوضح أن القيمة التاريخية لتلك الوثائق، والعبر التي يمكن أن تستخلص منها، ستتضح فقط عندما يتم رفع السرية عنها، ووضعها في متناول الجمهور.
 
ووفقا للكاتب، فإن رد وكالة المخابرات المركزية الأميركية الرسمي على المطالب بالإفراج عن الوثائق السرية المتعلقة بالعمليات السرية وبرامج التجسس السابقة -استنادا إلى قانون حرية المعلومات- لم يؤكد أو ينف وجود تلك الوثائق؛ حيث قالت سي آي أي "لا يمكننا تأكيد أو نفي وجود مثل هذه الوثائق".
 
وأوضح الكاتب أن التحقيق الذي أعدته صحيفة واشنطن بوست بالتعاون مع التلفزيون الألماني "زد دي إف"، ونشر الشهر الماضي؛ يؤكد وجود كم هائل من الوثائق بحوزة سي آي أي، حيث كشف التحقيق النقاب عن استخدام أجهزة المخابرات الأميركية والألمانية على مدى خمسة عقود تجهيزات تابعة لشركة كريبتو إي جي السويسرية المتخصصة في تشفير الاتصالات من أجل التجسس على أكثر من مئة بلد عدو وحليف للولايات المتحدة.
 
وأشار إلى أن الاستخبارات الأميركية تمكنت من خلال شركة كريبتو إي جي من مراقبة أزمة احتجاز الرهائن بالسفارة الأميركية في طهران عام 1979، وتزويد بريطانيا بمعلومات عن تحرك الجيش الأرجنتيني إبان حرب فوكلاند، ومتابعة حملات الاغتيال بأميركا اللاتينية ضمن أحداث أخرى عديدة.