لم تسجل مكاتب السياحة والسفر الارقام الاعتيادية للحجوزات قياساً بالاعوام ‏السابقة.
 
 
ليس لبنان ولن يكون بمعزل عن مجمل المسار الانحداري في العالم، سياحياً واقتصادياً، نتيجة فيروس كورونا ‏وتداعياته على مجمل القطاعات، فكيف اذا كانت أوضاع لبنان سيئة قبل الكورونا وبعده، وهي تطاول كل ‏القطاعات بما فيها العماد الاقتصادي السابق، وربما اللاحق، للبنان وهو القطاع السياحي. ولم يكن اعلان وزيري ‏السياحة والصحة اطلاق ورشة عمل السياحة الطبية، عبر تشجيع الاستثمار في هذه السياحة، موفقا في توقيته، اذ ‏تزامن مع تزايد حالات الكورونا في لبنان كما في العالم، وتردد المرضى في زيارة المستشفيات إلا في الحالات ‏الاضطرارية‎.‎
وها شهر شباط قد انتهى من غير ان تسجل مكاتب السياحة والسفر الارقام الاعتيادية للحجوزات قياساً بالاعوام ‏السابقة التي سجلت ارقاماً قياسية. واذا كانت الارقام لم تحدد بعد، وثمة عوامل تدفع الى تأخير التخطيط للرحلات ‏شهراً أو أكثر، فان لا مؤشرات ايجابية توحي بامكان تنشيط الاسواق في اذار الجاري أو في نيسان المقبل حيث ‏تتم معظم حجوزات الصيف لان أكثر المسافرين غالباً ما يخططون لبرنامج تقسيط يمتد على أشهر تسبق موعد ‏الرحلة. ولا يتعلق التراجع بفيروس كورونا الذي سيؤثر حتماً والى حد كبير وانما لاسباب عدة تتعلق بالوضع ‏الاقتصادي المالي تحديداً. فشركات السياحة والسفر لا تعتمد على الوافدين الى لبنان، بقدر اعتمادها على السياحة ‏اللبنانية في الخارج التي نمت بنسبة فاقت الـ 50 في المئة وأحياناً بلغت 70 في المئة منذ العام 2010 كما أفادت ‏مسؤولة في أحد مكاتب السفر التي قالت: "تضاعف السفر بشكل قياسي. حتى العائلات التي لم تكن تشاهد طيارة ‏الا عبر التلفزيون، نظمت رحلات سياحية في الاعوام الاخيرة، وان ضمن رحلات منظمة أقل كلفة من السفر ‏العادي". ومن نذر التداعيات السلبية على الشركات ان هذه كانت تعمد الى استئجار طائرات "تشارتر" مطلع كل ‏سنة جديدة، وتؤكد حجوزاتها وتضيف اليها أخرى في شهر شباط، لكنها استغنت عن الامر هذه السنة، أو ارجأت ‏البت فيه الى حين ظهور مؤشرات لما يمكن ان يكون الموسم المقبل‎.‎
وكان رئيس الجمهورية ميشال عون اعرب مطلع شباط عن أمله في أن "يستعيد الوضع السياحي عافيته بعد زوال ‏الأسباب التي أدت إلى تراجعه منذ التطورات التي حصلت بعد 17 تشرين الأول الماضي"، قائلاً إن "عائدات ‏السياحة التي حققها القطاع السياحي خلال 2019، كان متوقعاً أن ترتفع أكثر بكثير لولا الأحداث التي طرأت‎".‎
لكن الرئيس عون الذي نظر الى السياحة من وجهة واحدة، تناسى ان الوضع الاقتصادي المالي، وشح الدولار، ‏وتبدل سعر الصرف، عوامل تؤدي الى ضرب السياحة، ولا يُحمّل اللبناني مسؤوليتها، بعدما حُمّل اعباء ‏السياسات الخاطئة وصراعات أهل السلطة‎.‎
فشركات السياحة والسفر في لبنان، وهي نحو 600 شركة مرخصاً، تعاني الامرين من السياسات الرسمية، كما ‏قال نقيب أصحاب مكاتب السفر والسياحة في لبنان جان عبود. "وترتبط معاناة هؤلاء بعاملين أساسيين ألحقا ‏ضرراً كبيراً. العامل الأول، أن المكاتب تتعرض للمنافسة غير المشروعة وغير المتكافئة من شركات الطيران. ‏فتلك الشركات (ومنها "الميدل ايست" قبل ان تعدل قرارها وتمتنع عن البيع في مكاتبها حاليا، ما ساعد المكاتب ‏وألحق ضرراً بالمواطنين) تقوم خلافاً للقانون، ولا سيما المادتين 301 من قانون الموجبات والعقود و192 من ‏قانون النقد والتسليف وإنشاء المصرف المركزي، بإلزام مكاتب السفر والسياحة تسديد ثمن التذاكر بالدولار ‏الأميركي من دون إمكان الإيفاء بالعملة الوطنية، في حين أنها تبيع التذاكر مباشرة للمستهلك بالعملة الوطنية وعلى ‏أساس السعر الرسمي. وقد وجدت مكاتب السفر والسياحة نفسها ملزمة الاستحصال على الدولار الاميركي من ‏الصرافين بفارق يفوق الاربعين في المئة من السعر الرسمي لدى المصارف، ما ألحق ويلحق بها أفدح الأضرار‎.‎
أما العامل الثاني فيتمثل في المادة 24 من موازنة العام 2020 التي قضت باضافة فقرة الى المادة 43 من القانون ‏رقم 379 تاريخ 14/12/2001 (الضريبة على القيمة المضافة) بحيث تفرض الضريبة على هذه العمليات على ‏أساس هامش الربح البالغ 10% من رقم الاعمال. بما فيها قيمة بطاقات السفر التي تباع ضمن برنامج سياحي ‏متكامل‎".‎
ويتعارض فرض الضريبة على القيمة المضافة الى خدمات السياحة والسفر والى تذاكر السفر مع معاهدة‎ ‎‎"ICAO" ‎التي وقعها لبنان في وقت سابق، فضلاً عن أن هناك استحالة لتطبيقه على المبيعات عبر شبكة ‏الإنترنت، ما يضع القطاع في منافسة دولية غير متكافئة لا طائل من مواجهتها وتؤدي حكما الى انهيار القطاع ‏بالضربة القاضية. هذا فضلاً عن أن هامش الربح المحدد في تلك المادة لا ينطبق على الواقع بأي شكل من ‏الأشكال‎.‎
هذه العوامل، قبل الكورونا، انعكست سلباً والى حد كبير على سياحة اللبنانيين في الخارج، ووضعت مكاتب ‏السفر في وضع محرج بعدما ضاعفت عدد موظفيها في السنوات الاخيرة، ووسعت اطار اتفاقاتها الخارجية مع ‏مؤسسات وفنادق عالمية، فاذا بها تقع أيضاً أسيرة القرارات بمنع التحويلات الى الخارج بالدولار والعملات ‏الاجنبية ما يحول دون امكان التزامها تلك الاتفاقات وتالياً يدفع نحو اقفالها‎.‎
اما القدرة الشرائية لدى اللبناني الذي يتقاضى راتبه بالليرة اللبنانية، فحدث ولا حرج، اذ لم يعد في مقدوره ‏تخصيص مبالغ للسياحة والسفر، او اقتطاع اجزاء من راتبه للكماليات، بعدما صارت ضرورياته في خطر. ‏وبات يفكر في سبل تخبئة قرشه تحسباً لايام أشد سواداً‎.‎