كتب سامي خليفة في "المدن": مع انتشار الخوف في الشرق الأوسط من تفشي فيروس كورونا المستجد، ولا سيما بعدما سجلت إيران عدداً كبيراً من الإصابات بالمرض، نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية تقريراً، يتحدث عن عدم جهوزية "بلاد الأرز" التي تعاني من كارثة اقتصادية لمواجهة هذا الوباء الجديد.
 
نظام صحي مترهل
يواجه لبنان اليوم أسوأ أزماته الاقتصادية منذ الحرب الأهلية، ولديه استحقاقات داهمة أهمها سندات يوروبوندز بقيمة 1.2 مليار دولار تستحق في 9 آذار الجاري. وإذا تخلت الحكومة عن سداد ديونها كما هو متداول، فإنها ستعاني من مشاكل كبيرة، بصرف النظر إن كان خيار عدم الدفع صائباً أم لا.
 
تعيق هذه التحديات، حسب "فورين بوليسي"، قدرة البلاد على مواجهة فيروس كورونا، ولا سيما توظيف ما يكفي من الكوادر الصحية المدربة، لإجراء فحوصات الحمى في المطار، وصولاً إلى تجهيز المستشفيات بمعدات متخصصة، مثل أجهزة التنفس لمناطق الحجر الصحي. لذلك فإن تأمين الموارد البشرية والمالية اللازمة للتعامل مع حالات الفيروس الشديدة من شأنه أن يضع نظام رعاية صحية مترهل بالفعل، في ضائقة شديدة.
 
تتزامن هذه المشاكل مع عدم تمكن الموردين الطبيين من استيراد المنتجات التي يحتاجون إليها، بسبب شح الدولار الأميركي. ويُضاف إليها احتجاج الأطباء أيضاً على إخفاق الحكومة في سداد تكاليف المستشفيات، مقابل الرعاية المقدمة للمرضى الذين يجب أن يكونوا مشمولين بضمان اجتماعي وصناديق عسكرية.
 
أسابيع حاسمة
حظرت الحكومة اللبنانية تصدير الإمدادات الطبية للحماية من الأمراض المعدية، مثل أقنعة الوجه. ويتم حالياً فحص الأشخاص الذين يصلون إلى لبنان من البلدان التي تفشى فيها المرض، ويُطلب منهم الحجر الصحي في المنزل، واتباع إرشادات وزارة الصحة. لكن أهم ما لفتت إليه المجلة الأميركية هو عدم اتباع وزارة الصحة نظاماً لمراقبة الأشخاص بمجرد مغادرتهم المطار، على عكس دول مثل كوريا الجنوبية، حيث كان يتعين على المصابين المحتملين استخدام تطبيق إلكتروني لتتبع تحركاتهم.
 
وتضيف المجلة الأميركية، أن الدولة اللبنانية تمتلك موارد محدودة متاحة لتدابير العزل الشامل، إذا ظهر على الأشخاص أعراض الفيروس. وعند استفسارها عن الموضوع من السلطات اللبنانية، أشار سليم أديب، وهو طبيب مختص في علم الأوبئة ومستشار بوزارة الصحة، أن الأسابيع القليلة المقبلة ستكون حاسمة لتحديد قدرة النظام الصحي على التعامل مع تفشي المرض. وأضاف: "لا توجد أموال لفعل أي شيء، بما في ذلك تدابير الصحة العامة الجديدة. أما إذا احتجنا إلى عزل الكثير من الناس، فإننا سنقع في حيرة وارتباك".
 
سوء إدارة
لسوء الحظ، تزامنت الاضطرابات السياسية في لبنان مع انتشار فيروس كورونا المستجد. وبينما ركزت السلطة في لبنان على إعادة الهيكلة السياسية والأزمة الاقتصادية، يمكن القول أن فرصة حاسمة لوضع خطة طوارئ كاملة، استجابة للأزمة الصحية الوشيكة، قد أصبحت متأخرة بعض الشيء.
 
كان ينبغي أن تتضمن تلك الخطة، كما ترى المجلة، إجراءات للحجر الصحي الشامل، ومراقبة الأشخاص العائدين من البلدان التي تفشى فيها المرض. وهذا ما يؤكده فادي الجردلي، أستاذ ورئيس قسم الإدارة والسياسات الصحية في الجامعة الأميركية في بيروت، بقوله للمجلة أن الأزمة لم تتم إدارتها بالطريقة الصحيحة.
 
وناشدت الحكومة اللبنانية منظمة الصحة العالمية للمساعدة في بناء مرافق إضافية للحجر الصحي. لكن مكافحة الوباء تتطلب مستوى من التنسيق الحكومي قال الجردلي إنه لم يره حتى الآن من قيادة البلاد. واستطرد شارحاً "عند التعامل مع تفشي الأمراض والأوبئة، فإن العمل لا يجب أن يكون كالمعتاد. ليس لدينا رفاهية التعلم من الأخطاء هنا. ليس لدينا سوى وقت للتحرك، والقيام بما هو صحيح".
 
فقراء لبنان
يستضيف لبنان عدد ضخم من اللاجئين، بما في ذلك أكثر من 1.5 مليون لاجئ سوري، وأعداد كبيرة من الإثيوبيين والعراقيين والفلسطينيين والسودانيين. وتُعتبر الظروف المكتظة وضعف النظام الصحي في مخيمات اللاجئين والنازحين، مؤشراً خطيراً يمكن أن يجعل هذه المناطق أرضاً خصبة للأمراض.
 
ويمتد الخطر، حسب المجلة، إلى فقراء لبنان، خصوصاً بعد تحذير البنك الدولي من أن حوالي نصف سكان لبنان يمكن أن يرزحوا تحت خط الفقر، إذا تفاقمت الظروف الاقتصادية. وهنا تشير المجلة إلى أن احتمالات الإبلاغ عن أعراض الفيروس في المجتمعات التي تقل فيها فرص الحصول على الرعاية الصحية الرسمية هي ضعيفة، وهذا بحد ذاته يشكل تحدياً آخر لمواجهة وباء لبنان.