بعد حوالي 17 عاماً من سحب القوات الأميركية عدداً كبيراً من أفرادها من المملكة، عادت الولايات المتحدة الآن إلى هناك وبقوة.
 
ففي قاعدة مكونة من الخيام في الصحراء على بعد حوالي 60 ميلاً جنوب شرقي الرياض، يقوم نحو 2500 من الأفراد العسكريين الأميركيين بإطلاق الطائرات المقاتلة من طراز F-15 لارتفاع شاهق ويقومون بتشغيل بطاريات صواريخ باتريوت، بحسب تقرير لصحيفة "وول ستريت جونال" من داخل قاعدة الأمير سلطان الجوية بالمملكة العربية السعودية.
 
وقال التقرير إن عودة القوات الأميركية - بعد تقلص تواجدها بشكل كبير على مدى عقدين - تعكس القلق السائد بالمنطقة من التهديد الحالي الذي تشكله إيران على دول المنطقة.
 
يقول الجنرال جون ووكر، قائد الجناح الجوي 378 في القاعدة: "نحن نواجه عدواً حذقاً يلعب صراعاً إقليمياً حقيقياً من أجل البقاء، وهم جيدون للغاية".
 
 
إن نشر القوات الأميركية في قاعدة الأمير سلطان يسلط الضوء على الشكل المتغير للوجود العسكري الأميركي في المنطقة وسط سياسة الرئيس، دونالد ترمب، الرامية لمواجهة إيران، وقراره بسحب بعض القوات من سوريا. فعلى الرغم من تعهد ترمب بالانسحاب من الشرق الأوسط، فإنه قام بإرسال الآلاف من الجنود الإضافيين إلى المنطقة.
 
وكانت آخر مرةٍ تمركزت فيها القوات الأميركية في تلك القاعدة هي في عام 2003، بعد أكثر من عقد من إرسال الولايات المتحدة أكثر من نصف مليون جندي أميركي بعد غزو صدام حسين للكويت عام 1990. حينها قام زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، بشنّ حملة من الهجمات على أهداف غربية وحكومية في المملكة. وفي عام 1996، أدى تفجير في مجمع سكني إلى مقتل 19 من أفراد القوات الجوية الأميركية بالمملكة. وبالرغم من أن السلطات الأميركية ألقت باللوم على إيران في وقت لاحق، فإن بن لادن مجد الهجوم في ذلك الوقت.
 
وبحسب الصحيفة، فمن الأمور الجوهرية في مهمة القوات الأميركية الموجودة الآن في السعودية هو منع تكرار الهجمات من إيران، مثل الضربة الأخيرة التي استخدمت فيها الصواريخ والطائرات المسيرة في سبتمبر 2019 على منشآت النفط السعودية، التابعة لشركة أرامكو، مما تسبب في تهديد كبير على إمدادات النفط العالمية. وقد ألقى المسؤولون الأميركيون والسعوديون باللوم على إيران في ذلك الهجوم، لكن الحكومة الإيرانية نفت تورطها في ذلك.
 
ونُفذ الهجوم، الذي استخدمت فيه الطائرات المسيرة وصواريخ كروز، على موقعين في الوقت نفسه، هما: بقيق وخريص شرق المملكة.
 
 
ويقول مسؤولو الدفاع الأميركيون الآن إنهم عززوا الدفاعات الجوية السعودية إلى الحد الذي يمكنهم فيه منع أي غارة جوية، مثل تلك التي حدثت في سبتمبر، ويعود الفضل في ذلك جزئياً إلى نشر أربع بطاريات صواريخ باتريوت أميركية في المملكة، من بينها اثنتان متمركزتان في قاعدة الأمير سلطان.
 
إلا أن بعض مسؤولي الدفاع يرون أن صواريخ باتريوت، التي تكلف ملايين الدولارات، هي أداة باهظة الثمن للتصدي لصواريخ كروز والطائرات المسيرة التي تعد رخيصة للغاية.
 
وقال المقدم توم نوبل الذي يقود كتيبة للدفاع الجوي تضم صواريخ باتريوت في القاعدة: "بغض النظر عن مدى تكلفة الطائرة المسيرة، فإن تأثير الضرر الذي قد تسببه يفوق ما نعتبره فعالاً أو غير فعال من حيث التكلفة، فيما يخص منظومة صواريخ باتريوت".
 
 
لقد صُممت صواريخ باتريوت لمواجهة صواريخ باليستية عالية التحليق، وليس من أجل صواريخ كروز والطائرات المسيرة منخفضة الارتفاع التي استخدمت في الغارة الجوية في سبتمبر على منشآت النفط السعودية. وقد أرسلت الولايات المتحدة بطاريات الدفاع الجوي إلى المملكة في حرب الخليج عام 1991، حيث كافحوا حينها لإسقاط صواريخ سكود العراقية.
ويقول الكثير من المواطنين السعوديين إنهم يؤيدون عودة الجنود الأميركيين.
 
وفي الوقت الحالي، يظل المعسكر الأميركي في قاعدة الأمير سلطان مركزاً أساسياً. إذ قام السعوديون ببناء طريق لخدمة القسم الأميركي من القاعدة، بينما يقوم الأميركيون بتركيب الكهرباء للخيام الجديدة، واستبدال بعض الخيام بالمقطورات.
 
وفي أعقاب الغارة الجوية الأميركية التي أسفرت عن مقتل قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، في العراق، في يناير الماضي، اندفع الأميركيون في قاعدة الأمير سلطان لإكمال حاجز أمني حول محيط القاعدة، خوفاً من الانتقام الإيراني المحتمل.
 
وسيعتمد طول مدة بقاء الأميركيين على مجموعة متنوعة من العوامل، تتراوح بين القرارات السياسية في واشنطن إلى تقديرات الجيش الخاصة بحاجته إلى إظهار قواته في جميع أنحاء المنطقة.