أربع إشارات، ثلاث أرسلها حزب الله، خلال 24 ساعة، كشفت عن "رؤيته" لمحاولة الخروج من الأزمة المالية والاقتصادية التي يعاني منها لبنان، ويضاف إليها رابعاً "زلّة" سياسية وقع فيها رئيس الحكومة حسّان دياب. 

 

الإشارة الأولى أطلقها نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم يوم الثلاثاء: "نحن لا نقبل الخضوع لصندوق النقد الدولي ليدير الأزمة"، وأضاف: "لا مانع من تقديم الاستشارات". وهو بذلك قطع الطريق على إمكانية الحصول على مليارات صندوق النقد الدولي، مقابل الإصلاحات "المعلنة"، وهي الاقتصادية؛ منها تحرير سعر صرف الليرة اللبنانية ورفع الضرائب على المحروقات والضريبة على القيمة المضافة وغيرها.. والإصلاحات "غير المعلنة"، وهي على الأرجح سياسية، تتعلّق بسلوك لبنان "الخارجي"، أي سلاح حزب الله "الإقليمي"، بلا لفّ ولا دوران. 

 

الإشارة الثانية هي انتهاء اللجان النيابية من العمل على قانون تشريع "زراعة القنب، أي الحشيشة، لغايات طبية، وتحويل القانون إلى الهيئة العامة لمجلس النواب" تميهداً لإقراره. هذا القانون الذي يسمع به اللبنانيون منذ عقود، خرج للإعلان عنه نائب رئيس مجلس النوب، إيلي فرزلي، الذي يشكّل نقطة تقاطع بين سوريا وإيران ورئيس الجمهورية، وهذا يعني أنّه قد بدأ مسار اقتصادي جديد في لبنان. إذ لطالما اتهم الإعلام التابع لحزب الله الولايات المتحدة الأمريكية بأنّها "تضغط على لبنان وتجبره على منع زراعة القنب". 

الإشارة الثالثة هي خروج رئيس الجمهورية ميشال عون، عبر كلمة إلى اللبنانيين، ليعلن الأربعاء 26 فبراير/شباط 2020 "يوماً تاريخياً"، لأنّ لبنان "دخل نادي الدول النفطية"، رابطاً الإنجاز "بحلم عودتي من المنفى"، ليس لأنّ لبنان بدأ استخراج النفط، لكن احتفالاً "بإطلاق أعمال حفر أول بئر نفطي في لبنان"، بحسب قول عون. 

على هشاشة المناسبة، وفراغها من أيّ معنى اقتصادي أو مالي، فإنّها تؤشر إلى رغبة فريق عون وحزب الله بادّعاء "نفطي" سابق لأوانه، هرباً من إجابات غير موجودة عن سؤال الإفلاس الآتي في مطلع شهر مارس/آذار. فخطاب عون قوبل بالاستخفاف على مواقع التواصل، خصوصاً أنّ اللبنانيين لن "يشعروا" بالإعلان، بل سيسمعون الكثير قبل أن يصل أول دولار إلى جيوب المواطنين. 

أما زلّة لسان رئيس الحكومة، فهي اتّهامه الثلاثاء الفائت "أوركسترا" بأنّها "تحرّض في الخارج ضد لبنان لمنع الدول الشقيقة والصديقة من مساعدة لبنان مالياً ومنعه من الانهيار"، مرفقاً غضبه في البيان بعبارات مثل "موبقات" و"عورات" و"أكاذيب"، في هجومه على "مجهولين". 

هذه الإشارات الأربع تؤكّد أنّ حزب الله، الذي أدار ظهره للدول العربية، ثم بدأ في إدارة ظهر لبنان لصندوق النقد الدولي، ها هو يدير وجهه لما يبدو أنّها "الخطّة ب"، البديلة عن الحلول المنطقية للإفلاس الذي يضرب لبنان، ولمواجهة الحصار المالي – السياسي الذي يعاني منه اللبنانيون، بسبب حزب الله، وبمعرفته. 

في يوم واحد إذن، شغّل حزب الله "الأوركسترا"، بدءا من نعيم قاسم أمين عام حزب الله بلبنان، مروراً بتشريع زراعة الحشيشة، وصولاً إلى النفط، وانتهاءً باستطلاع بالنيران قام به حسّان دياب، قد يكون مقدّمة للهجوم على الدول العربية، من السراي الحكومية، للومها على عدم مساعدة لبنان، وللهجوم على من يريدهم رئيس الحكومة "كبش محرقة" هذا "المشكل" الذي يريده مع العرب. 

يعرف حسان دياب جيّداً أنّ من يحرّض العرب على لبنان هو حزب الله نفسه، ولا أحد غيره. هذا الحزب الذي حذف شعار "الموت لأمريكا" لسنوات، وراح يقاتل في الدول العربية، ويهدّد أمن دول الخليج، ولم تسلم منه مصر حتّى، وغيرها. 

يبدو أنّ حزب الله الاقتصادي سيجعلنا نترحّم على جانبه الأمني والعسكري. فإذا كان الرصاص يقتل بشراً وإذا كانت الصواريخ تهدّد مدناً، فإنّ الأخطاء الاقتصادية والمالية، في لحظات مصيرية، قد تدمّر جيلاً بكامله، لسنوات طويلة. 

على حزب الله أن يخفّض من منسوب عناده. فلا أطنان الحشيشة ستجد أسواقاً لها، ولا النفط سيجد طريقه (بعد عمر طويل) إلى الأنابيب والأسواق الأوروبية، ولا مفرّ من صندوق النقد الدولي.

رحم الله من عرف حدّه، فوقف عنده.

 

المصدر: العين الإخبارية