تفرض الواقعية السياسية على «حزب الله» الإعتراف بأنّ الخيارات الكُبرى التي اتخذها لبنان في السنوات الأخيرة، أثّرت في انفجار الأزمة المالية ـ الإقتصادية الراهنة، إلّا أنّه يعتبر في المقابل أنّ هذه التأثيرات ليست أساسية أو جوهرية، فهي من العوامل التي دخلت على الأزمة لكنها ليست من الأسباب الرئيسة التي أنتجتها. ولا يشعر «الحزب» بـ«وَخز الضمير» بسبب حَجب المساعدات الخارجية عن لبنان جرّاء مواقفه. فالمساعدات، وإن كانت ضرورية في هذه المرحلة، لا تعالج أزمةً بالنسبة الى «الحزب»، فهي تساعد على تأجيل الانهيار لكنها لا تملك قابلية أن تكون حلاً مستداماً، بينما الخروج من الأزمة يحتاج الى مقاربة مختلفة، يعمل على أن تتظهّر قريباً.
 

ترى جهات سياسية عدة «أنّ المشكلة الأساسية في البلد هي فقدان الدولة قرارها السيادي و«الهيمنة الإيرانية» على لبنان من خلال سلاح «حزب الله» ودوره على الساحتين اللبنانية والإقليمية». وتعتبر أنّ من لا يملك قراره السيادي ـ السياسي لا يُمكنه امتلاك القرار الإقتصادي».

 

وتقول هذه الجهات «إنّ حلّ الأزمة يبدأ برفع «هيمنة السلاح» واستعادة الدولة قرارها وصدقيتها، وبرفع «الحزب» الغطاء عن «فساد» بعض حلفائه، فضلاً عن انسحابه من مشكلات المنطقة كلّها». وهذا الموقف عبّر عنه علناً وصراحةً مسؤولون في دول مؤثرة، عربياً وغربياً.

 

وجهة النظر هذه تردّ عليها مصادر مطّلعة على موقف «حزب الله» بالقول إنّ هناك دائماً مبالغات في الحديث عن دور «الحزب» الإقليمي. وتؤكّد أنّ ربط الأزمة المالية ـ الإقتصادية بسلاح «الحزب» ودوره الخارجي غير صحيح، مشيرة إلى أنّ «أعلى معدلات نمو في البلد شهدتها السنوات التي أعقبت حرب تموز 2006، أي في 2008 و2009 و2010، ولم يحصل نكسة في الوضعين الاقتصادي والمالي».

 

وتسأل: ما علاقة سلاح «حزب الله» ودوره بمشكلة الكهرباء، ومشكلة الإتصالات، وتَعثّر البنى التحتية، والهدر في قطاع الأشغال، وغلاء الفاتورة السياحية في لبنان وتطوّر البيئة الإقليمية على المستوى السياحي، ومناكفة الطبقة السياسية في ما بينها؟

 

فبالنسبة الى «حزب الله»، إنّ الأسباب الجوهرية التي أنتجت الأزمة الإقتصادية ـ المالية في لبنان مرتبطة بمسائل داخلية، وبالطبقة التي أمسكت السلطة منذ التسعينات، وبنظام المحاصصة والمناكفات والتعقيدات، وإنّ السبب الرئيس يكمن في السياسات الإقتصادية التي تراكمت على مدى سنوات، لناحية المضي في عملية الإستقراض بالتزامن مع سياسات اقتصادية خاطئة واستفحال الهدر والفساد، إضافةً الى التطورات التي طرأت في السنوات الأخيرة والمرتبطة بالبيئة الإقليمية، مثل المشكلات التي بدأت في سوريا منذ 2011 والتي أثرت سلباً ومباشرة على الوضع السياحي في لبنان، وعلى أسعار السلع اللبنانية جرّاء وقف التصدير عبر البر واستبداله بالتصدير جواً أو بحراً، بكلفة أعلى.

 

ومن العوامل الأساسية التي ساهمت في استفحال الأزمة بالنسبة الى «الحزب»، تراجع قيمة حوالات المغتربين السنوية الى لبنان من نحو 8 مليارات دولار الى نحو 4,7 مليارات، بسبب السياسات الأميركية المتشددة. لكن هذا لا يعني بالنسبة اليه، التنازل عن سيادة لبنان أو القبول بأيّ هيمنة أو تبعية. فـ«الحزب» يرفض رهن المعالجة بأيّ شروط سياسية، معتبراً أنّ استقرار لبنان وتفاهم مكوّناته أمر لا يجب التفريط به.

 

ولا ينكر «الحزب» أنّ اضطراب العلاقات بين لبنان والسعودية ودول الخليج، من العوامل التي ساهمت في الأزمة وعقّدت موضوع المساعدات، على رغم من أنّ الأزمة في ما يتعلّق بأسبابها الجوهرية وتطورها وتفاقمها ترتبط بمسارات أخرى. ويعتبر أنّ المساعدات غير كافية، وأنّ هناك حاجة الى مقاربة مختلفة للخروج بحل فعلي، وهذا الأمر معلوم، إذ حتى «خطة ماكينزي» أشارت الى أنّ النموذج اللبناني يمر في مرحلة اختناق ويحتاح الى إعادة بنائه على أسس تعددية، ولا يصح على الإطلاق أبداً أن يقتصر الإقتصاد اللبناني على قطاعي الخدمات والمصارف.

 

إنّ اعتبار «حزب الله» أنّ المساعدات الخارجية ليست الحلّ الجذري للأزمة، لا يعني أنه يرفضها. بل يقرّ أنّ لبنان يحتاج الآن الى مساعدات، وعليه أن يضع على الطاولة كلّ أدوات المعالجة. وإذ يعتبر أنّ معالجة الأزمة ليست مهمة فريق واحد، يدعو الجميع الى استنفار علاقاتهم كلّها، ويرى أنه مطلوب في هذه المرحلة أن يجلب لبنان مساعدات أو هبات أو قروض ميسّرة من حيث يقدر. أمّا الحلّ الجذري فيكمن في خطة شاملة. ويشدّد على أنّ المعالجة تتطلّب التفافاً وطنياً واحتضاناً وقراراً كبيراً، فضلاً عن تحييد الموضوع عن الخلافات. فالأزمة التي يمرّ لبنان فيها حالياً مثل «الاجتياح الإسرائيلي»، تستدعي أن يضع كلّ طرف الخلافات جانباً وأن يساهم في حماية البلد، والبحث في طريقة معالجة المشكلة المالية ـ الإقتصادية.

 

وفي إطار المساعدات، تقول المصادر المطلعة على موقف «حزب الله» إنّ «كلّ الدول لديها مصالحها وحساباتها وهذا أمر طبيعي ومشروع، لكن إيران لم تربط في أي مرة استعدادها للمساعدة في أيّ شروط سياسية».

 

وعن عزل لبنان أكثر إذا قبل بالمساعدات الإيرانية، يعتبر الحزب «أننا في مرحلة لا يُمكننا الخضوع الى شروط أيّ جهة، ولو استجاب لبنان منذ زمن للعرض الإيراني على صعيد الكهرباء لَما وصلنا الى الوضع الراهن».

 

كذلك يشدد «الحزب» على «أنّ لبنان دولة سيّدة يحق لها أن تتنوّع في علاقاتها طلباً للمساعدة، خصوصاً أنّ البلد على عتبة جوع».

 

إقليمياً، يعتبر «حزب الله» أنّه ليس في موقع الاعتداء على أحد، وأنّ هناك كثيراً من المبالغات في اتهامه بلعب أدوار على هذا المستوى. أمّا على الصعيد الداخلي، فيؤكد أنّه لا يغطّي أحداً ولا علاقة له بأي ممارسات يمارسها حلفاؤه فعلاقته بهم هي علاقة سياسية بالدرجة الأولى، وكلّ فريق يتحمّل مسؤولية مواقفه في ما يتعلّق بالشؤون الإدارية والملفات الداخلية المطروحة.

 

وتشكّل الأزمة الراهنة و«حكومة الفريق الواحد» فرصة لـ«حزب الله» لتغيير النظام الإقتصادي الذي طالما انتقده، وتؤكد المصادر المطلعة على موقفه أنّه لن يرضى بالحلول التأجيلية، بل يدفع الى وضع الأزمة على سكة المعالجة الشاملة والجذرية، ويعمل على أن تتظهّر في الأسابيع المقبلة في إطارٍ وطني شامل.

 

في المقابل، تقرّ جهات عدة بأنّ علاج الأزمة، فوراً أو بنحوٍ مستدام، هو في يد «حزب الله» فعلاً، وذلك لكي نعيد للبنان دوره وموقعه عربياً وغربياً، وللدولة سيادتها وقرارها على المستويات كلّها، وللبنانيين أمنهم واقتصادهم وماليتهم. وتسأل: هل يوافق «الحزب» على إغلاق المعابر الحدودية غير الشرعية؟ هل يصرّح عن الكونتينرات والشحنات التي تصله عبر المرفأ والمطار؟ هل يرفع الغطاء عن المهرّبين والمتهرّبين من دفع الضرائب والرسوم وعن الفاسدين؟ هل يبحث في استراتيجية دفاعية تعيد القرار السيادي والعسكري الى الدولة؟ وهل يبحث في طريقة تسليم سلاحه؟ وهل يخرج من ساحات النزاعات العسكرية في المنطقة؟ وهل يفك ارتباطه بسياسة إيران وقراراتها؟