في محفوظاتنا أنَّ جريدة «الفيغارو» الفرنسية كتبت في 13/1/1999:

 

«إذا قـررّ القضاء أنْ يفرض احترام القانون فإنّ نصف المسؤولين على الأقلّ سيدخلون السجن...»

 

يومها... إهتزَّ الجسم القضائي في فرنسا، واهتزّ معه الجسم السياسي، لأنّ الرّوب الأحمر الذي يرتديه القاضي مأخوذٌ من رداء الملوك، وحكمُ الملوك يزول، وحكم القضاء يبقى.

 

عندنا... لأنّ الرّوب الأحمر صبغوه بألوانهم، استمرَّ الفساد جبلاً لا تهزّه الريح، وظلَّ المرتكبون الكبار أبراراً من الأطهار، وعلى أكتافهم تهبط الملائكة.

 

المسؤولون يرتكبون الحرام، والمحاكم تدّعي على مجهول... وعند تطبيق القانون، لا تُلقي شرطةُ الأخلاقِ القبض إلاّ على مَنْ يعانون العجز الجنسي.

 

مئاتٌ من دعاوى السرقة والهدر والفساد، تتراكم في أدراج المحاكم، في انتظار أنْ تقْرَضها الفئران، فيختفي الإتهام وتنـتفي العقوبة، وتتبدَّد الأموال المنهوبة مع الضمير المنهوب.

 

يوم استشرى الفساد في العهد العثماني، راح رجال الدين من كهاّن ورهبان، يمارسون همُ الحكمَ بالعدل بين الناس في كثير من قـرى لبنان، ولكنّ

 

المتصرف واصا باشا سنة 1884 ألغى المحاكم الرهبانية ليطلق يد صهره «كريكور كوبليان» الذي اشتهر بأسوأ أنواع الفساد والإبتزاز وتسويق الرشوة في سائر سرايات الحكومة.

 

منذ ذلك العهد لا يزال واصا باشا حاكماً عندنا، ينتفض حيّاً كلّما رنّوا الفلوس على ضريحه، ويستمرّ معه الفساد في سرايات المحاكم وبلاطات الحكم.

 

في 17 تشرين الأول توقّفت الروزنامة العثمانية، وبات اليوم يختلف عن الأمس بفارقَـيْنِ أساسيِّـين:

 

أوّلُهما: أنّ السارق مكشوف، ومهما كان كبيراً يصبح بالسرقة ذليلاً، ولا تستطيع الأيدي الملوّثة أن ترشق الآخرين بحجر.

 

ثانيهما: أنّ ثورة الساحات أصبحت تشكّل هي الحصانة الشرعية للقانون والضمانة القضائية للأحكام.

 

في إيطاليا: عندما ارتعب القضاء من قوافل الميليشيا والألوية الحمراء، إلتـفّ الشعب حوله واقياً، وارتفع سيفٌ قضائي حرّ فوق كبار الرؤوس، فانهزمت الميليشيا وانتصر العدل الإيطالي.

 

اليوم، مصير لبنان: دولةً ووطناً وشعباً ونظاماً مرهونٌ بالقضاء لمحاسبة الذين يحاولون القضاء على لبنان.

 

فهل يستطيع أصحاب الرّوب الأحمر أن يتحرّروا من هيمنة الأثواب الملطّخة بالعار، فينقذوا لبنان من الإنهيار...؟

 

لا.. ليس العدل والشرف والكرامة والإستقامة والقيم الأخلاقية والإنسانية والمسلكية... ليست ألفاظاً مستهلكة ينتهي مفعولها.

 

العدل صفة الله تعالى:

 

وإِنَّ للعدل الإلهي حساباً، وللعدل القانوني والأخلاقي حساباً وهناك حساب الضمير.

 

يقول جان جاك روسو: في كتابه «إميل»: «أيها الضمير لولاك لما وجدت في نفسي ما يرفعني عن الحيوان..».