أثار موقف حزب الله من تعامل حكومة حسّان دياب مع صندوق النقد الدولي تساؤلات بشأن تدخل الحزب بشكل مكشوف في ملف هو من مهام الحكومات عادة، ما يفهم منه أن حكومة دياب هي “حكومة حزب الله”، وهو صاحب القرار السياسي والاقتصادي الذي عليها أن تطبّقه.

لكن مصادر لبنانية اعتبرت أن إعلان حزب الله عدم القبول بإدارة صندوق النقد للأزمة اللبنانية، مع الإقرار بالحصول على الاستشارات من المؤسسة المالية ذات النفوذ دوليا، فيه قبول بالأمر الواقع، وأن الرفض مجرد تسويق إعلامي ليس أكثر.

وسلطت المصادر الضوء على الزيارة التي قام بها رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني قبل أيام، من حيث أن عروض الدعم التي اقترحها على المسؤولين اللبنانيين لم تؤخذ على محمل الجد، ولم يتم تسويقها، حتى من قبل حزب الله، ما اعتبر تسليما لبنانيا شاملا بأن المخارج المتاحة من المأزق باتت غائبة، وأن لا مصداقية أو وجاهة لأيّ عروض خارجية، بما فيها الإيرانية، وأن ما وصل إلى بيروت من عواصم عديدة يكرر أن أيّ مساعدات مالية لن تمر إلا من خلال صندوق النقد الدولي.

وعلى الرغم من نشر الصحف اللبنانية تسريبات، قيل إن مصدرها حزب الله، تؤكد أن ليس للحزب موقف سلبي من الصندوق، وأنه موافق على السلوك الحكومي في طلب المشورة منه كما دعّم أيّ إجراءات قد يتم الاتفاق بشأنها مع الصندوق لما فيه مصلحة لبنان، قالت مصادر سياسية إن هذه التسريبات قد تهدف إلى تهيئة بيئة حزب الله إلى القبول باحتمال اللجوء إلى خدمات الصندوق، وبالتالي القبول بالإجراءات الاقتصادية القاسية التي عادة ما تفرضها برامجه على الاقتصاديات المتعثرة.
 
غير أن مقرّبين من الحزب نقلوا توجسا حقيقيا ينتاب قياداته من احتمال اضطرار بيروت للخضوع لبرامج صندوق النقد الدولي، ليس فقط بسبب ما ستسببه من ضغوط إضافية على بيئة الحزب، بل بسبب اضطرار الحزب إلى القبول بمبدأ الاستعانة بمؤسسة دولية لطالما اتهمت بأنها خاضعة للولايات المتحدة.
 
كما أن الاستسلام لشروط الصندوق سيحتم إنهاء أنشطة الاقتصاد الموازي وإغلاق مسارب التهريب من المطار والمرفأ والحدود البرية كما سيطرة الدولة على شبكات التمويل غير الشرعية التي تديرها “دويلة” حزب الله في لبنان.
 
وذكرت المصادر اللبنانية أن جدلا يدور داخل غرف حزب الله القيادية حول كيفية التصرف إزاء استحقاق التعامل مع صندوق النقد الدولي الذي بات حتميا، خصوصا أن الدعم الإيراني لم يعد مغريا بسبب المأزق الاقتصادي الخانق الذي تعيشه طهران نتيجة العقوبات الاقتصادية الأميركية كما بسبب تفشي فايروس كورونا.
 
ويدور جدل حول الموانع العقائدية الثابتة المتعلقة بموقف الحزب من المؤسسات الدولية واعتبارها أدوات لـ”الشيطان الأكبر”، كما حول السياسات الواقعية التي وجب على حزب سياسي انتهاجها لتوفير حلول لجمهوره قبل الحديث عن مصلحة البلد عامة.
 
وقالت المصادر إن ما أطلقه الشيخ نعيم قاسم، نائب الأمين العام لحزب الله، في هذا الصدد يفضح التخبط الذي يعيش فيه الحزب للخروج بقرار سيكون استراتيجيّا في تاريخه.
 
وأشار قاسم، الثلاثاء، إلى أن في لبنان “أزمة اقتصادية مالية اجتماعية ضاغطة وصعبة، وهي نتيجة تراكم ثلاثين سنة وتحتاج إلى وقت للعلاج، نحن لا نقبل أن نخضع لأدوات استكبارية في العلاج، يعني لا نقبل الخضوع لصندوق النقد الدولي ليدير الأزمة، نعم لا مانع من تقديم الاستشارات، وهذا ما تفعله الحكومة اللبنانية”.
 
وأضاف أن “بإمكان الحكومة أن تضع خطة وتتخذ إجراءات بناءة لبدء المعالجة النقدية والمالية ووضعها على طريق الحل. نحن بحاجة إلى خطة إصلاحية متكاملة مالية اقتصادية اجتماعية مؤقتة واستراتيجية، وإن شاء الله ستقوم الحكومة بهذا العمل وتظهر بعض النتائج ولو بعد حين”.
 
وعلى الرغم من رمادية موقف قاسم وتزيينه بعبارات الحزب التقليدية ضد “الاستكبار”، فإن كلامه عن خطة إصلاحية متكاملة للحكومة بدا ركيكا، خصوصا أن حزب الله بات يعرف أن منافذ التمويل الخارجية التي كان يعوّل عليها من إيران باتت معدومة، وأن المنافذ البديلة التي كانت توفرها قطر باتت بدورها غائبة.

وهذا يعود إلى موقف واشنطن التي ترفع بطاقة حمراء أمام جميع الدول الحليفة لمنعها من تقديم أيّ عون مالي للبنان دون أن توضح حكومة حسّان دياب خططها الإصلاحية وتوجهاتها السياسية التي تثبت بأنها ليست حكومة حزب الله وبعيدة عن خيارات إيران في الشرق الأوسط.

وتلفت بعض الأوساط إلى الموقف الذي نقل عن رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، الأربعاء، الذي شدد على أن القرار بشأن اليوروبوند “يجب أن يكون وطنياً وغير خاضع للمزايدات والتباينات وأقدس المقدسات هي ودائع الناس وتعبهم”، على نحو أوحى أن زعيم حركة أمل المتحالف مع حزب الله يحضّر البيئة الشيعية لاحتضان قرارات عقلانية ستتخذها الحكومة قد يكون وقعها قاسيا في الاقتصاد والسياسة.

وسيحتّم احتفال لبنان ببدء أعمال التنقيب عن النفط على البلد الخضوع لمعايير مالية دولية عالية من شأن عدم احترامها عرقلة تطور قطاع واعد في البلد.

وتخلص الأوساط إلى أن الحزب الذي لطالما هدّد باستخدام سلاحه للدفاع عن حقوق لبنان في موارد النفط والغاز، يجد نفسه وسلاحه مشلولين في حال تعذر تعامل المجتمع الدولي مع مآزق البلد الاقتصادية والمالية العامة التي سيؤدي غياب معالجة لها إلى انهيار قطاع النفط أيضا.