يعتقد مرجع سياسي انّ البحث في أي تغيير حكومي لن يبدأ فعلياً قبل ايلول المقبل بعد ان يكون قد ظَهرَ نجاح حكومة الرئيس حسان دياب من عدمه، في ضوء مواجهة التحديات الكبرى التي تواجهها وتتصدرها الازمة الاقتصادية والمالية الخانقة، وكذلك بعد ان يكون مستقبل الوضع الاقليمي قد تبلور من سوريا الى اليمن وما بينهما...
 

ليست هناك أوهام في انّ «حكومة مواجهة التحديات» ستصنع المعجزات وتعالج الازمات بقدرة فائقة وعزم لا يلين، فهذه الازمات كبيرة جداً وعميقة الى درجة قد تتخطى قدرة الفريق الوزاري الذي لا أحد يناقش في مؤهلاته وقدراته التكنوقراطية، ولكن المطلوب من القوى السياسية ان تتحمّل مسؤولياتها وأن تدعم هذه الحكومة او اي حكومة تخلفها بغية إنهاء الازمات التي ثَبت للقاصي والداني انّ هذه القوى هي التي تسبّبت بها وتتحمّل المؤولية عنها بنسَب متفاوتة في ما بينها.

 

وهذه الحكومة، في اعتقاد مرجع سياسي، اذا لم تستطع معالجة الازمات المستفحلة، مطلوب منها، في الحد الادنى، تأمين الخطط والاسس والوسائل اللازمة لهذه المعالجة حتى تأتي بعدها حكومة أخرى أكثر قدرة وفاعلية تتولى هذه المهمة. ولكن البحث في إيجاد مثل هذه الحكومة الآن ليس وارداً، بل من المستحيلات الدخول في مسألة من هذا النوع، حيث انّ البديل غير موجود، فيما الحراك الشعبي يستعد لجولات جديدة من التصعيد في الشارع ستتصاعد معها النقمة أكثر فأكثر على الطبقة السياسية التي يحمّلها هذا الحراك المسؤولية عمّا آلت اليه أوضاع البلاد على كل المستويات، علماً أنّ «الموقف الوداعي» الذي أعلنته السفيرة الاميركية اليزابيت ريتشارد من على منبر القصر الجمهوري امس لدى وداعها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لمناسبة انتهاء مهمتها في لبنان، حَضّ الحراك واللبنانيين عموماً على تغيير النظام الذي قالت انه «في العقود القليلة الماضية لم يكن يعمل»، معتبرة انّ أمام الشعب اللبناني «فرصة تاريخية لقلب الصفحة».

 

ويُتوقع لهذا الموقف الاميركي ان يتفاعل لبنانياً، وتحديداً في اوساط الحراك، على رغم من انّ بعض فصائله تعلن رفضها التدخل الخارجي فيه، علماً انّ فريقاً من السياسيين لا يستبعد ان تركب الولايات المتحدة الاميركية هجمة الحراك على الفساد ومطالبته باستعادة المال المنهوب وسَوق الفاسدين الى القضاء لمحاكمتهم، لتقدّم نفسها «ضنينة» بمصلحة اللبنانيين و«حريصة» على مساعدتهم لكشف الفاسدين واستعادة الاموال المنهوبة.

 

غير انّ المرجع السياسي إيّاه، يعتقد أنّ كثيراً ممّا قيل على هامش اجتماعات وفد صندوق النقد الدولي مع المسؤولين المعنيين، غير صحيح وبعضه فيه مبالغات، فالوفد لم يأت الى لبنان حاملاً وصفة أو وصفات علاجية جاهزة ليطلب من الحكومة أن تعتمدها، وكذلك لم يأت كما اعتقد البعض ليبحث مع الحكومة فقط في موضوع تسديد استحقاقات «اليوروبونزد» من عدمه وما يمكن ان يتّرتب على اي من الخيارين سلباً او إيجاباً، وإنما جاء ليستمع الى ما لدى الحكومة من افكار وتصورات لمعالجة الازمة، علماً انّ المسؤولين الذين التقوا الوفد لم يكشفوا أمامه مضمون الخطة الاصلاحية التي ستطرحها الحكومة قريباً، فقوبِل بأسئلة رداً على الاسئلة التي طرحها ولم يحصل على اجوبة، لأنّ الحكومة طلبت منه المشورة ولم تطلب تقديم علاجات. فمثلاً، لم يُحكَ عن صرف موظفين او خفض إنفاق او رواتب ووقف إنفاق غير مجدٍ في هذا المجال او ذاك، كذلك لم يطرح موضوع زيادة 5000 ليرة على سعر صفيحة البنزين التي روّج لها البعض، وربما يكون بحث في إيجاد حل ناجع لملف الكهرباء الذي يكبّد الدولة مبلغ 3 مليارات من الدولارات سنوياً، وهذا ما يتلاقى الجميع على حيويته في معالجة الازمة المالية والاقتصادية.

 

ولذا، الجميع ينتظرون الخطة الاصلاحية التي ستقدمها الحكومة خلال الاسبوعين المقبلين، وعلى ضوئها سيبني الجميع على الشيء مقتضاه. ويبدو انّ الحراك هو أبرز المنتظرين لهذه الخطة ليقرر خطواته الجديدة على أساسها، فيما رئيس الحكومة يستأخِر هو الآخر القيام بأي جولة خارجية له الى حين إعلان تلك الخطة، خصوصاً انّ دول الخليج العربي ومعها مجموعة الدول المانحة والولايات المتحدة الاميركية كانت قد أعلنت انها ستحدد طريقها تعاطيها مع هذه الحكومة وإمكان مساعدة لبنان في ضوء ما ستقرره من إصلاحات اقتصادية ومالية. وحتى الآن لم يتلقّ رئيس الحكومة بعد أيّ اشارات خارجية مشجّعة، بل يبدو انّ ما تلقّاه، خصوصاً من دول الخليج العربي، ما زال يصبّ في خط السلبية، الأمر الذي دفعه الى الحديث في جلسة مجلس الوزراء امس الاول عمّا سمّاه «أوركسترا» قال انها «تعمل ضد مصلحة البلد وتحرّض على الحكومة لدى الدول الشقيقة (قاصداً دول الخليج) لمنعها من مساعدة لبنان مالياً».

 

لكنّ بعض المتابعين يقول انّ اي دولة او مجموعة دولية لن تقرر مساعدة لبنان من عدمها قبل تبلور طبيعة الموقفين السعودي والاميركي، فرئيس الحكومة يطمح لأن تكون أولى زياراته الخارجية الى المملكة العربية السعودية، ولكن يبدو انه لم يتلق حتى الآن أي اشارة ايجابية بعد من خلال الاتصالات غير الرسمية التي يجريها عبر بعض الاصدقاء المشتركين بينه وبين الرياض، والتي يريد ان تكون محطته الأولى في جولة تشمل دولة الامارات العربية المتحدة والكويت وقطر.

 

غير انّ ما يلفت المراقبين حديث يدور في الاوساط الخليجية عمّن سيكون رئيس الحكومة المقبل في حال رحيل حكومة دياب عاجلاً أم آجلاً، وفي الوقت نفسه لا يؤتى في هذا الحديث على ذكر ايّ من أعضاء نادي رؤساء الحكومة السابقين، ولا على ذكر أسماء شخصيات جديدة من خارج هذا النادي.

 

ولكن في ضوء هذا الحديث الخليجي، فإنّ الاعتقاد السائد في كثير من الاوساط السياسية اللبنانية وفي الخارج، هو انّ لبنان مُقبل على مزيد من التطورات تحت جنح الخطة الاصلاحية الحكومية المنتظرة وخارجها، ستكون كفيلة في بلورة مشهد سياسي داخلي جديد في البلد، يمكن ان تتبلور في ضوئه لاحقاً سلطة سياسية جديدة، خصوصاً اذا صَحّت التوقعات في انّ كل ما يجري سيؤدي في مرحلة ما الى نشوء نظام جديد ليس بالضرورة أن يكون استجابة لدعوة السفيرة الاميركية في القصر الجمهوري أمس.