مطلع الأسبوع المقبل، يذهب الإسرائيليون للمرة الثالثة خلال عام الى صناديق الإقتراع، في سابقة تاريخية قد لا تتكرّر مستقبلاً. ولا شك أن ما يحصل يعكس عمق الإنقسام السياسي الداخلي، والذي عمّقه الرهان الخارجي على عودة بنيامين نتنياهو الى رئاسة الحكومة الإسرائيلية. الواضح أن ثمة مشروعاً إقليميا التزم به الرجل يُحاكي رؤية واشنطن ووافقت عليه موسكو.
 

وفي آخر إستطلاعات الرأي الإسرائيلية، ثمة تعديلات ظهرت حول إحجام الكتل النيابية لكنها لم تصل بعد الى حد حصول اليمين الإسرائيلي على أكثر من نصف أعضاء الكنيست الذي يخوّله تشكيل الحكومة.

 

فحزب الليكود يتقدّم للمرّة الأولى، لكن اليمين الإسرائيلي ما يزال بحاجة لأربعة مقاعد للوصول الى الغالبية المطلوبة. ولكن ثمة جانب آخر للمأزق الإنتخابي الإسرائيلي، وهو تمسُّك واشنطن باستمرار الرجل القوي كصاحب القرار في إسرائيل. واذا نظرنا الى الصورة من زاوية عريضة وشاملة، نجد أن الدول والأنظمة المؤثرة في الشرق الأوسط باتت كلها تقبع تحت حكم الأقوياء أو المتشدّدين، بدءاً من السعودية ووليّ العهد محمد بن سلمان، ومن ثم تركيا ورئيسها، الذي تراجعت قوته قليلاً بعد الإنتخابات البلدية الأخيرة، ويحاول استعادتها من خلال معارك شمال سوريا وليبيا.

 

وفي إيران كذلك فوز كاسح للجناح المتشدّد أطاح بحضور المعتدلين، أو ما يعرف بتيار الإصلاحيين، ويمهِّد لإنتخاب رئيس متشدِّد لاحقاً. وأبعد من ذلك يستعد الأميركيون للتجديد لرئيسهم القوي دونالد ترامب، الذي يخوض مواجهة صعبة مع إيران. ويبقى الرئيس الروسي القوي فلاديمير بوتين الحاضر بقوة في سوريا ومن خلالها في صلب لعبة الشرق الأوسط.

 

الأرجح أن الصدفة التاريخية هي التي دفعت بهؤلاء الأقوياء الى مسرح أحداث الشرق الأوسط. لكن السؤال الأهم ما اذا كان ذلك سيدفع الأمور باتجاه المواجهة؟ الإنتخابات الأخيرة في إيران جرت على أساس خيار القوة في مواجهة سلاح العقوبات، لكن لا جدال بأن الحرب خيار مرفوض من كلا الجانبين الإيراني والأميركي. لكن الحرب بالواسطة تبقى الخيار البديل المفضل لطهران. وساحات لَيّ الأذرع مفتوحة على مصراعيها لاستعراض القوة أو لتوجيه الرسائل المزعجة، بدءاً من اليمن، ومروراً بالعراق، وأيضاً سوريا، ولمَ لا لبنان. لكن ثمة مقولة رائجة في العلم السياسي بأن التسويات تبقى وليدة الأقوياء لا المعتدلين. وفي الأمس القريب، فإن مناحيم بيغن المتشدّد هو الذي وقع على كمب ديفيد مع مصر، وكذلك اسحق رابين بطل الحرب، هو من تفاهم مع ياسر عرفات وأنجز اتفاق وادي عربة قبل أن يقتل.

 

وانطلاقاً من هنا، هنالك من يراهن على هذه النتيجة. في الواقع إن إيران المتشدّدة، أي إيران مرشد الثورة، هي التي وافقت على الإتفاق النووي من خلال المعتدلين، أي الرئيس حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف. وإيران نفسها قابلة للعودة والجلوس على طاولة المفاوضات شرط عودة واشنطن عن عقوبات أيار القاسية. والسؤال الأهم الذي ما زال جوابه غير محسوم هو: هل يُقدم ترامب على خطوته هذه قبل انتخاباته أم بعدها.؟

 

الأسبوع الماضي زار وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو سلطان عمان الجديد هيثم بن طارق آل سعيد لتهنئته بتسلم مسؤولياته وهي الزيارة الأولى لمسؤول دولي كبير الى عمان بعد انقضاء فترة الحداد.

 

في الشكل، أخذت الزيارة طابع تصحيح الخطأ البروتوكولي الذي حصل خلال التعازي بالسلطان قابوس، لكن في الجوهر، أرادت واشنطن الإستماع من الحاكم الجديد حول مدى الإلتزام بسياسة سلفه، وببقاء وزيرَي الخارجية يوسف بن علوي والدفاع بدر البوسعيدي في موقعيهما. وقبل زيارة بومبيو كان وزير الخارجية الإيرانية قد التقى الحاكم الجديد على هامش واجب العزاء، وحرص أن يسمع منه أيضاً الإلتزام بسياسة سلفه. لكن المشكلة أن المرحلة الفاصلة عن الإنتخابات الرئاسية الأميركية ما تزال طويلة نسبياً، وهي تبدو أقرب لفترة الوقت الضائع منه لفترة صنع وصيانة مشروع سياسي.

 

جون برينان المدير السابق لوكالة الإستخبارات الأميركية CIA والذي اشتهر بأنه صانع ديبلوماسية الدرون، يعتقد أن إقالة ترامب لمدير وكالة الأمن الوطني والتي تترأس كل الوكالات الأمنية، إنما يؤكد مساعدة الأجهزة الروسية لخيار إعادة إنتخاب ترامب أواخر هذا العام.

 

ويقول برينان الذي عمل في حقبة باراك أوباما، إن جو التضعضع السائد في وكالات المخابرات الأميركية بسبب تسخير ترامب لها لصالح حملته الإنتخابية، ينعكس سلباً على السياسة الأميركية الخارجية.

 

كل هذه الصورة تضع لبنان في حال المراوحة الصعبة، خصوصاً وإن السلطة فيه باتت ضعيفة وسط أنظمة قوية متشدّدة متصارعة.

 

بالأمس، حمل نائب الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم رسالة سلبية لصندوق النقد الدولي حين قال: لا نقبل الخضوع لصندوق النقد الدولي.

 

في الواقع «حزب الله» يبدو مرتاباً من الأهداف السياسية للمساعدة المطروحة من صندوق النقد الدولي، وهو لا بد أنه يضعها في إطار المواجهة العريضة.

 

وأخيراً، نقل موقع «ذا هيل» تقريراً مثيراً عن الحلول الإقتصادية المطروحة للبنان. والموقع الأميركي المعروف بقربه من الكونغرس، والذي أسس في العام 1994 في واشنطن، والذي يركز على السياسة الخارجية والتجارة والعلاقات الدولية وما يتعلق بالكونغرس، تحدث عن ضرورة ولادة لبنان جديد. وإن الأزمة الإقتصادية والمالية بحاجة الى سلسلة من المساعدات المالية المشروطة بالتغيير السلوكي الذي يؤدي الى نتائج ملموسة.

 

وتحدّث التقرير عن سيطرة الجهات المانحة على قطاعَي الإتصالات والكهرباء لفترة محدودة، إضافة الى مرفأ بيروت وسكة الحديد. واللافت أيضاً شمول مطار بيروت ومطارَي القليعات ورياق. وطرح التقرير وجوب إخضاع بعض القطاعات والمرافق لشبه خصخصة بهدف تأمين التدفّق المالي وتحسين الإنتاج، على أن يترافق ذلك مع وجود قضاء مستقلّ والتحرّك لاحقاً باتجاه دولة لا مركزية، بالتوازي مع إنشاء مجلس شيوخ يحفظ التوزيع المذهبي والطائفي، الى جانب مجلس للنواب لا طائفي، وهناك شكوك أميركية في قدرة الحكومة على المعالجة. وهو ما يعني أن المشوار ما يزال طويلاً، والأهم أن المرحلة الحالية هي مرحلة مراوحة أو مرحلة الوقت الضائع، قبل الشروع في وضع القطار على السكّة.