صدرت سيرة عملاق الأدب الروسي الروائي فيودور ديستويفسكي التي خطتها ابنته "لوبوف فيودوروفنا دستويفسكايا" بترجمة أنور إبراهيم عن الدار المصرية اللبنانية؛ وهي ترجمة للكتاب الصادر بالفرنسية لابنة الكاتب الروسي الأشهر، عام 1920.
وكانت "لوبوف" التي من بين ألقابها أيضا "لوبا" أو "ليليا"..كانت تمتهن كأبيها الأدب، وأصدرت العديد من الأعمال الروائية، لم يُكتب لها النجاح، بل جلبت على نفسها تهكم وهجوم الأدب، إذ بدأت محاولاتها الأدبية بكتابة المسرح وهي في الثالثة والعشرين من عمرها، ثم افتتحت صالونًا أدبيّا في بيتها لكن مبادرتها تلك لم تجد في مدينة بطرسبورج الروسية أي صدى، بل كان النقد متحيزًا للغاية، ويتهمها بافتقارها التام إلى الموهبة الفنية.
لكن ثمة حدث فارق في حياتها وقع في سنواتها الأخيرة، ألا وهو الاحتفال بمرور مائة عام على ميلاد والدها دستويفسكي، في منتجع "باد إمس" الألماني وهو المنتجع الذي زاره ديستويفسكي مرارًا للاستشفاء، هذه المناسبة كانت قد دفعت ابنته إلى إعداد سيرته الذاتية في شكل بحث بيوجرافي مكرس لحياة دستويفسكي، عبر رحلة طويلة قطعتها في صبر ودأب على وصف حياته مضمنة عملها فصولًا من الذكريات، وهكذا صدرت سيرة الأب بتوقيعها العام 1920، في أوروبا لتكتسب شهرة مدوية لم تكتسبها عن أعمالها الأدبية السابقة، وليطير كتابها هذا محققًا لها شهرة ومجد كبيرين؛ ففي العام الذي صدر فيه الكتاب بالفرنسية، صدرت ترجمته بالألمانية في ميونيخ وزيوريخ، وفي الفترة نفسها صدر باللغة الهولندية، وبعدها بعامين صدرت ترجمته الإنجليزية في أمريكا، والإيطالية.
يحوي الكتاب ثلاثين فصلًا، ومقدمتين، إحداهما للكاتب الروسيبوريس تيخوميروف، والثانية بواسطة لوبوف نفسها، وفي هذه المقدمة تستعرض فيها أسبابها لنشر سيرة أبيها الذاتية في أوروبا بدلًا من روسيا، إذ إن مناسبة مئوية ميلاده، حانت مع اندلاع الثورة البلشفية في روسيا، وهو ما جعل البلاشفة يستولون على ممتلكات عائلتها، وتعزى لوبوف رغبتها إلى إصدار سيرة أبيها في أوروبا، نظرًا لأنه أصبح منذ زمن كاتبًا ذا أهمية عالمية واحدًا من المنارات المجيدة التي تنير الطريق للبشرية كلها.
يقول الناشر: إن قارئ هذا الكتاب، لن يتعرف فحسب على فصول عاطفية كتبتها ابنة محبة لأبيها، ولأدبه، بل سيكتشف بحثًا أدبيّا أعدته بصبر وأناة كاتبة أدبية وروائية كان من الممكن أن تحتل مكانة موازية لمكانة أبيها، لولا عقدة أبناء المشاهير، كما يشير الكاتب الروسي بوريس تيخوميروف في مقدمته للكتاب، إذ إن تجربتها ظلت غير محسوسة في ظل إبداع والدها العظيم.
فصول الكتاب الثلاثين تتطرق إلى مراحل حياة ديستويفيسكي وعائلته، ولهذا لا نبالغ حينما نصف جهد الابنة بالعبقري، إذ كرست نفسها فعلًا لتقصي أصول العائلة، والكتابة عنها، بدءًا من الجد، ونشأة العائلة في ليتوانيا، وهو ما نتعرف عليه في أول الفصول، والكتاب مكتوب بأسلوب روائي ماهر، إذ إن صاحبته كان لها طموحُ أدبي وكانت مهتمة بصور العالم الخارجي، وخلعت على واحدة من بطلاتها اسمها الشخصي – لوبوف فيودورفنا، وأعطت أخرى اسم عائلة جدها لأمها، وثالثة أسكنتها إلى جوارها في أحد شوارع بطرسبورج.
ويغطي الكتاب مراحل مهمة في حياة ديستويفسكي ومنها زيجته الأولى التي لم تسفر عن أبناء، وتورطه في مؤامرة على القيصر، واعتقاله في سيبيريا، وعودته من المعتقل وقد وُلد من جديد، متحمسًا لمواصلة الكتابة وإنتاج الروايات، والديون التي غرق فيها بسبب حمايته لشرف عائلته ورغبته في سداد ديون شقيقه الأكبر "ميخائيل" وهو ما أثقل كاهله، وورطه مع ناشر حاول استغلاله، ثم تعرفه على زوجته "أنَّا" كاتبة الاختزال، التي أنجبت له أولاده وهو في سن التاسعة والأربعين، ومنهم "لوبوف" مؤلفة السيرة.
إن قارئ هذا الكتاب، سيطلع على سيرة أدبية حقيقية للروائي الروسي العملاق "فيودور ديستويفسكي" بترجمة المترجم الكبير "أنور إبراهيم"، وفي هذه السيرة الجديدة التي تصدرها الدار المصرية اللبنانية، سيكتشف القارئ المصري والعربي كم المعلومات المغلوطة التي كونها في السابق عن عملاق الأدب الروسي، ومنها مثلًا أن إدمانه للقمار كان ناجمًا عن فساد أخلاقه، سيكتشف القارئ تحولات حياة ديستويفسكي، وكيف كان نبيلًا شريفًا، محبّا للخير، وللإنسانية، وللفقراء، منحازًا للفلاحين الروس، غير متعال على أبناء وطنه من الطبقات السفلى، بل تسبب نبله هذا في أن يخضع للابتزاز المادي من أقرب أقاربه، ومنهم أبناء أشقائه، وربيبه من زوجته الأولى.